وهكذا نعرف أنّ نجاح الدليل الاستقرائي في مرحلته الاستنباطية يتوقّف على شرطين:
أحدهما: أن تكون الألفات فئة ذات مفهوم موحّد أو خاصيّة مشتركة، وليست مجرّد تجميع أعمى لأشياء متفرّقة.
والآخر: أن لا يلاحظ تميّز الألفات التي شملتها التجربة على سائر الألفات في خاصية مشتركة اخرى.
ولنوضح كلا الشرطين في المثال التالي:
افرض أ نّك اخترت عشوائياً إنساناً من كلّ بلدٍ في العالم، وتكوّنت بذلك مجموعة من الناس، ولاحظت- وأنت تفحص عدداً من أفراد هذه المجموعة-:
أ نّهم بيض، فلا يمكنك أن تستنتج من ذلك أنّ كلّ أفراد تلك المجموعة بيض؛ لأنّ هذه المجموعة فئة مصطنعة لا تعبّر عن وحدة مفهومية. وعلى العكس ما إذا كوّنت من الزنوج فئة واحدة، وبدأت تفحصها فلاحظت أنّ الأفراد التي فحصتها كانت سوداً، فإنّ بإمكانك أن تعمّم استقرائياً وتقول: إنّ كلّ زنجي أسود؛ لأنّ الفئة هنا ذات خاصية حقيقية مشتركة.
وفي نفس هذه الفرضية لا يمكنك أن تعمّم أيّ حكم تصل إليه عن طريق الملاحظة لهذه الفئة- فئة الزنوج- على سائر أفراد الناس، رغم أنّ الزنجي وغير الزنجي من الناس يعبّران عن خاصية إنسانية مشتركة، ولكن وجود خاصية مشتركة لفئة الزنوج نفسها، بنحو يميّزها عن غيرها، يجعل أيّ تعميم من ذلك القبيل غير منطقي.
وإذا كنّا قد عرفنا أنّ الاستقراء يتوقّف نجاحه على أن يتعامل مع وحدات مفهومية- أي مع خاصيات عامة مشتركة- وليس مع مجرّد مجاميع تصطنع اصطناعاً، وإذا كنّا قد استنتجنا ذلك من الطريقة ذاتها التي فسّرنا بها المرحلة