والفارق بين الملاحظة والتجربة: هو الفارق بين من يدرس ظاهرة البرق- مثلًا- بملاحظة البرق الذي تحدثه الطبيعة في سيرها الاعتيادي، ومن يدرسه بملاحظة الشرر الكهربائي الذي يثيره في تجاربه ويخلقه في معمله الخاصّ. وكلّ منهما يسير في اكتشافه للقانون الطبيعي للبرق- عن طريق الملاحظة أو التجربة- وفق الطريقة الاستقرائيّة في الاستدلال.
فالدليل الاستقرائي إذن يبدأ دائماً بملاحظة عدد من الحالات أو خلقها بوسائل التجربة التي يملكها الإنسان، ويبني على أساسها النتيجة العامّة التي توحي بها تلك الملاحظات أو التجارب.
والمنطق الأرسطي حين عالج الاستقراء لم يميّز- بصورة أساسيّة- بين الملاحظة والتجربة، وأراد بالاستقراء كلّ استدلال يقوم على أساس تعداد الحالات والأفراد. وعلى هذا الأساس قسّم الاستقراء إلى كامل وناقص؛ لأنّ تعداد الحالات والأفراد وفحصها إذا كان مستوعباً لكلّ الحالات والأفراد التي تشملها النتيجة المستدلّة بالاستقراء، فالاستقراء كامل. وإذا لم يشمل الفحص والتعداد إلّاعدداً محدوداً منها، فالاستقراء ناقص.
وقد انطلق المنطق الأرسطي في تحديد موقفه تجاه الاستقراء من تمييزه هذا بين الاستقراء الكامل والاستقراء الناقص، فاتّخذ من كلّ واحد من هذين القسمين موقفاً خاصّاً.
ونحن إذا قارنّا مفهومنا عن الاستقراء بالمفهوم الأرسطي، نجد أنّ الاستقراء في مفهومنا لا يمكن أن يقسّم إلى استقراء كامل واستقراء ناقص؛ لأنّنا نريد بالاستقراء كلّ استدلال يسير من الخاصّ إلى العامّ، والاستقراء الكامل لا يسير من الخاصّ إلى العامّ، بل تجي‏ء النتيجة فيه مساوية لمقدّماتها، كما رأينا في المثال الثاني للاستنباط الذي قدّمناه سابقاً، ومن أجل ذلك يعتبر الاستقراء