وتخيّل أنّ الماء وإن لم يمرَّ على النجس ولكنّ الرطوبات الواقعة علىالسطح باعتبار اتّصال بعضها ببعض تسري النجاسة إليها جميعاً، فينجس الماء بملاقاة أيّ جزءٍ من السطح إذا حصلت بعد انقطاع التقاطر مدفوع: بأنّ الرطوبات المتّصلة على السطح: إمّا أن تكون عَرَضاً بالنظر العرفيّ، وإمّا أن تكون ماءً.
فعلى الأوّل من الواضح أ نّها ليست موضوعاً مستقلًاّ للنجاسة، لعرضيّتها، فلا معنى لسريان النجاسة من بعضها إلى بعض، وإنّما النجس هو الجسم الجامد المرطوب، فتبقى النجاسة في الجزء النجس من السطح، ولا موجب لسريانها إلى الأجزاء الاخرى من السطح؛ لعدم الملاقاة.
وعلى الثاني فللتخيّل المذكور مجال، بدعوى: أنّ الماء الممتدَّ على السطح تنطبق عليه قاعدة سراية النجاسة في المائعات، فينجس كلّه وينجس به تمام السطح.
ولكنّ التحقيق اندفاع هذا التخيّل: بأنّ قاعدة السراية في المائعات مختصّة بما إذا كان المائع بدرجةٍ من التماسك والتفاعل في أجزائه بحيث يعوّض كلّ جزءٍ منه عن النقص الحاصل بفقد جزءٍ آخر ويحتلّ موضعه؛ لأنّ المنشأ في قاعدة السراية هو تحكيم الارتكاز العرفيّ في فهم دليل الانفعال، وهو لا يقتضي السراية إلّا في مثل ذلك، وهذا النحو من التفاعل غير موجودٍ بين الرطوبات الممتدَّة على السطح رغم اتّصالها وافتراض مائيّتها، فلا تسري النجاسة إلى تمام الماء الموجود على السطح.
وسوف يأتي تحقيق الحال في ذلك مفصّلًا في فصل كيفيّة تنجّس المتنجّسات إن شاء اللَّه تعالى.