قرينةً على كون الأمر بالنزح أمراً تنزيهيّاً وأدباً شرعياً لو لم يمكن جعله قرينةً على التقييد بالقليل من ماء البئر خاصّة.
ولا ينبغي الشكّ في صحة الجمع العرفيّ المذكور مع ملاحظة مجموع هذه المؤيّدات والمقرِّبات، وإن كان بعض المؤيّدات التي ذكرناها قابلةً للمناقشة، أو لمنع صلاحيتها للتأييد.
الوجه الثاني لعلاج التعارض بين الطائفتين دعوى: أنّ التعارض بينهما مستحكم، ولا جمع عرفي، ومعه لابدّ من الرجوع إلى المرجّحات. والترجيح مع الأخبار الدالّة على الطهارة والاعتصام؛ لأنّها موافقة للكتاب الكريم المتكفّل لطهوريّة الماء على الإطلاق في قوله تعالى: «وَ أَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً»[1]. وموافقة الكتاب هي أول المرجّحَين العلاجِيّين. ويرد عليه:
أوّلًا: أنّ الجمع العرفيّ تامّ، كما تقدم.
وثانياً: أنّ الماء في الآية الكريمة ليس له إطلاق أفراديّ ليكون إطلاق الكتاب لماء البئر مرجّحاً للطائفة الدالّة على الطهارة، كما أوضحنا ذلك مفصّلًا في الجزء الأوّل من هذا الشرح[2]. وثالثاً: أ نّه لو سُلِّم الإطلاق الأفراديّ فلا نسلّم الإطلاق الأحواليّ بنحوٍ يشمل الحالات المتعقّبة للإنزال، بما فيها حالة الملاقاة للنجاسة، بل المنساق من الآية الكريمة كون الماء طهوراً بحسب طبعه.
وإن شئت قلت: إنّ إنزال الماء الطهور يكفي في صدقه أن يكون الماء حين
[1] الفرقان: 48
[2] تقدم في الجزء الأوّل: 28