وغاية ما يمكن أن يحتمل فيه الإطلاق قوله في صحيحة هشام بن سالم:
«ما أصابه من الماء أكثر»، بدعوى: أنّ هذا التعليل يقتضي إناطة الحكم بالمطهّرية والاعتصام بمجرّد أكثرية ماء المطر وقاهريّته، دون فرقٍ بين فرض جريانه وعدمه، فلو تمّت هذه الدعوى يبحث حينئذٍ في الأمر الثاني، وهو المقيّد بالجريان. والجريان: إمّا شأنيّ، أي كون الماء بحيث يجري لو وقع على الأرض الصلبة، أو فعلي، وهو ما يكون جارياً بالفعل.
وقد يقال حينئذٍ في نفي اشتراط الجريان: إنّه إن اريد الجريان الفعليّ فلازمه أنّ أدنى ماءٍ على الأرض الصلبة يكون معتصماً لجريانه، وما هو أغزر منه كثيراً ممّا يقع على أرضٍ معيقةٍ عن الجريان غير معتصم، وهذا على خلاف الارتكاز العرفي.
وإن اريد الجريان الشأنيّ فلا دليل على اشتراطه؛ لأنّ الروايات التي اخذفيها قيد الجريان ظاهرة في فعلية الجريان، كما هو الحال في سائر العناوين.
ويندفع هذا الكلام: بأنّ اشتراط الجريان الفعليّ إذا كان على خلاف الارتكاز العرفيّ فهذا الارتكاز بنفسه يكون قرينةً على كون الجريان المأخوذ شرطاً في الروايات بمعنى الجريان الشأني.
أو بكلمةٍ اخرى: يكون قرينةً على أ نّه شرط على وجه الطريقية، وبما هو معبِّر عن غزارة الماء، لا على وجه الموضوعية، فلابدّ إذن من ملاحظة مايستدلّ به من الروايات على اعتبار الجريان، فإن تمّت دلالتها على ذلك حملناها بقرينة الارتكاز المذكور ومناسبات الحكم والموضوع العرفية على كونه معتبراً بنحو الطريقية.
وأهمّ هذه الروايات: صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة، التي ورد فيها قوله: