الحالة السابقة، وعدم رجوعها إلى الاستصحاب- يقع الكلام في شمولها لموارد العلم بالنجاسة سابقاً. والمقصود من الشمول هذا: شمول دليل القاعدة في نفسه بقطع النظر عن حكومة دليل الاستصحاب، فإنّ المعروف أنّ إطلاق القاعدة في نفسه تامّ، وإنّما يرفع اليد عنه بلحاظ حكومة دليل استصحاب النجاسة على دليلها، غير أنّ بالإمكان أن يدّعى قصور دليلها في نفسه عن الشمول لموارد العلم بالنجاسة سابقاً؛ وذلك لأنّ مدرك القاعدة: إن كان هو العموم في موثّقة عمّار[1] فالإطلاق فيه لتلك الموارد غير محرز؛ لأنّ كلمة «قذر» لو كانت بالمعنى الوصفيّ فالإطلاق لا بأس به. وأمّا إذا كانت فعلًا بضمِّ الذال، فلا إطلاق لموارد الشكّ في بقاء النجاسة؛ لأنّ الفعل يستبطن الحدوث. فكأ نّه قال: «كلّ شيءٍ نظيف حتّى تعلم بحدوث النجاسة»، والمفروض في موارد الشكّ في بقاء النجاسة تحقّق العلم بحدوث النجاسة، ومع تحقّق الغاية لا إطلاق في المغيّى.
وإن كان مدرك القاعدة الروايات المتفرّقة فلا إطلاق فيها أيضاً؛ لأنّ المقصود من مثل قوله: «إذا لم أعلم» عدم العلم بإصابة البول، لا عدم العلم ببقاء نجاسة البول وارتفاعه، فليس فيها ما يشمل موارد الشكّ في البقاء، والتعدّي بدون مساعدة الارتكاز غير ممكن.
ويمكن تصوير الثمرة بين ما ذهبنا إليه من قصور دليل القاعدة في نفسه عن الشمول لموارد العلم ببقاء النجاسة، وما ذهب إليه المشهور من عدم الشمول لحكومة دليل الاستصحاب فيما إذا فرض سقوط استصحاب النجاسة للمعارضة مع استصحابٍ آخر مثلًا، فإنّه على المشهور يمكن الرجوع إلى قاعدة الطهارة، ولا يمكن ذلك على المختار.
[1] المتقدّمة في الصفحة 215