بالإراقة في هاتين الطائفتين دالّ على عدم صلاحية النجس للانتفاع به في أكلٍ وشرب.
ومنها: ما ورد في مثل السمن والزيت والعسل، كرواية معاوية بن وهب، قال: قلت له: جرذ مات في زيتٍ أو سمنٍ أو عسلٍ، فقال: «أمّا السمن والعسل فيؤخذ الجرذ وما حوله، والزيت يستصبح به»[1]. والتفريق فيها بين الزيت وبين السمن والعسل باعتبار مَيَعان الأوّل غالباً بحيث تسري النجاسة بالملاقاة إلى كلّ أجزائه، فيسقط عن صلاحية الانتفاع به إلّا في مثل الاستصباح.
وهذه الطوائف الثلاث لا شكّ في دلالتها على حرمة تناول النجس، ولكنّ موردها جميعاً الشراب والطعام الملاقي لعين النجس، فالتعدّي منه إلى المتنجّس بالمتنجّس يتوقّف: إمّا على التشبّث بالإجماع، وإمّا على دعوى انصراف تلك الروايات إلى كون الحرمة بملاك نجاسة الشراب والطعام دون دخلٍ لمرتبة النجاسة وخصوصيتها في ذلك، وإمّا على التفتيش عن رواياتٍ اخرى سليمةٍ من هذا النقص وواجدةٍ للإطلاق.
والتحقيق: وجود مثل هذه الروايات، وهي على طوائف أيضاً:
الطائفة الاولى: ما دلّ على الاجتناب عن سؤر الكتابيّ[2] بناءً على انصراف النهي عن سؤره إلى حيثية النجاسة، لا حيثية معنوية، وعلى عدم كونه نجساً ذاتاً، وإلّا كان مورد الرواية ملاقي عين النجس. فإنّه- بناءً على عدم النجاسة الذاتية- إذا حملنا النهي عن سؤر الكتابيّ على جعل أصالة النجاسة العَرَضية في الكافر
[1] وسائل الشيعة 17: 97، الباب 6 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 1
[2] وسائل الشيعة 1: 229، الباب 3 من أبواب الأسآر، الحديث 1