بلحاظ أفراد الماء انحلالي، وإن لم يلتزم بانحلاليته بلحاظ أفراد النجس، فلا بدّ إذن من مقيّد.
وما يمكن الاستدلال به للتقييد عدّة روايات:
منها: رواية الكاهلي، عن رجلٍ، عن أبي عبد اللَّه عليه السلام- في حديثٍ- قال:
قلت: يسيل عَليَّ من ماء المطر أرى فيه التغيّر، وأرى فيه آثار القذر، فتقطر القطرات عليَّ وينتضح[1] عليَّ منه، والبيت يتُوضّأ على سطحه فيَكِفُ[2] على ثيابنا، قال: «ما بذا بأس، لا تغسله، كلّ شيءٍ يراه ماء المطر فقد طهر»[3]. ومن الواضح أنّ الجمل التي ساقها الراوي إنّما هي بعناية إثبات مرور المطر على النجاسة وملاقاته لها، فحكم الإمام عليه السلام بنفي البأس واضح الدلالة على الاعتصام.
ودعوى: أنّ مورد الرواية تغيّر ماء المطر، ولا إشكال في انفعاله بالتغيّر، ومع عدم العمل بها في موردها لا يمكن التمسّك بها لإثبات المطلوب يمكن دفعها: بأنّ قول الراوي: «أرى فيه التغيّر … إلى آخره» ليس ظاهراً في دعوى رؤية التغيّر بعين النجس، وإنّما يدلّ على رؤية التغيّر ووجود آثار القذر في الماء، فيمكن أن يكون المرئيّ هو التغيّر بأوساخ السطح، ويكون المقصود من بيان ذلك: التأكيد على أنّ الماء جرى على السطح ومرّ على المواضع النجسة منه بدليلما صحبه من آثار القذر، خصوصاً مع بُعد إمكان تمييز الراوي للتغيّر وكونه تغيّراً بعين النجس بمجرّد رؤية ماء المطر، وإنّما الذي يتاح بالرؤية عادةً مشاهدة
[1] النَضْحُ: الرَشّ، وانتضح عليهم الماء: أي ترشّش. لسان العرب 2: 618( مادّة نَضَح)
[2] وَكَفَ البيت بالمطر وكْفاً ووكِيفاً من باب وَعَدَ: سال قليلًا. مجمع البحرين 5: 131( مادّة وَكَفَ)
[3] وسائل الشيعة 1: 146، الباب 6 من أبواب الماء المطلق، الحديث 5