ثمّ يؤجّرها بأكثر من ذلك ما لم يعمل في الأرض أو الأداة عملًا يبرّر حصوله على الزيادة. فإذا كنت قد استأجرت أرضاً بعشر دنانير فلا يجوز لك أن تدفعها إلى شخص وتتقاضى منه عوضاً أضخم من تلك الاجرة التي سدّدتها لصاحب الأرض ما لم تنفق على الأرض وإصلاحها وإعداد تربتها جهداً يبرّر الفارق الذي تكسبه.
وقد نصّ على هذا الحكم بصورة واخرى جماعة من كبار الفقهاء، كالسيّد المرتضى والحلبي والصدوق وابن البرّاج والشيخ المفيد والشيخ الطوسي[1]، وفقاً لأحاديث كثيرة وردت بهذا الصدد، ننقل فيما يلي بعضها:
(أ) حديث سليمان بن خالد، عن الإمام الصادق عليه السلام أ نّه قال: «إنّي لأكره أن أستأجر الرحى وحدها ثمّ اؤاجرها بأكثر ممّا استأجرتها، إلّاأن احدث فيها حدثاً»[2].
(ب) عن الحلبي قال: «قلت للصادق عليه السلام: أتقبّل الأرض بالثلث أو الربع، فأقبلها بالنصف؟ قال: لا بأس، قلت: فأتقبّلها بألف درهم، واقبّلها بألفين؟
قال: لا يجوز، قلت: لِمَ؟ قال: لأنّ هذا مضمون وذاك غير مضمون»[3][4].
[1] راجع الانتصار: 475، والكافي في الفقه: 246، والمقنع: 391، والمهذّب 2: 11، والمقنعة: 640، والنهاية: 445، وجواهر الكلام 27: 223
[2] وسائل الشيعة 19: 124، الباب 20 من أبواب كتاب الإجارة، الحديث الأوّل. ولاحظ سائر الروايات الاخرى في الصفحات التالية لذلك الموضع.( المؤلّف قدس سره)
[3] وسائل الشيعة 19: 126- 127، الباب 21 من أبواب كتاب الإجارة، الحديث الأوّل
[4] خلاصة التفصيل الذي يعرضه هذا النصّ والنصّ التالي هو التفرقة بين حالتي الإجارة والمزارعة: ففي حالة الإجارة عندما يستأجر الفرد أرضاً بمئة دينار مثلًا، لا يجوز له أن يؤجرها بأكثر من مئة ما لم يكن قد عمل في الأرض. وفي حالة المزارعة عندما يتّفق العامل مع صاحب الأرض والبذر على زرع أرضه والاشتراك معه في الناتج بنسبة خمسين بالمئة مثلًا، يجوز للعامل بعد ذلك أن يعطي الأرض لعامل آخر يباشر زراعتها، على أن يدفع له ثلاثين بالمئة مثلًا، ويحتفظ في النتيجة بعشرين بالمئة.
وقد حاول النصّ أن يفسّر هذا الفرق بين حالتي الإجارة والمزارعة، فذكر في تبرير ذلك:( أنّ هذا مضمون وذلك غير مضمون). والنصّ يريد بهذا التعليل: أنّ المستأجر الثاني للأرض الذي يستأجرها ممّن كان قد استأجرها قبله- أي من المستأجر الأوّل- يضمن في عقد الإجارة للمستأجر الأوّل الاجرة المتّفق عليها، فهي مضمونة بنفس العقد. وأمّا المزارع الذي يتسلّم الأرض من المستأجر بموجب عقد مزارعة ليعمل فيها فهو لا يضمن في عقد المزارعة شيئاً للمستأجر الأوّل، فما يحصل عليه المستأجر الأوّل نتيجة لعقد المزارعة ليس مضموناً له في نفس عقد المزارعة. فكأنّ النصّ أراد أن يقول: إنّ التفاوت الذي يحصل عليه المستأجر الأوّل حين يؤجر الأرض بأكثر ممّا استأجرها به مضمون له في نفس عقد الإجارة، فلا بدّ أن يسبق العقد عمل يبرّر هذا المكسب المضمون؛ لأنّ الشريعة لا تقرّ مكسباً مضموناً إلّافي مقابل عمل. وأمّا التفاوت الذي يحصل عليه المستأجر إذا زارع على الأرض بالنصف مثلًا، فهو ليس مضموناً له بنفس عقد المزارعة، فلا يجب أن يسبق عقد المزارعة عمل للمستأجر الأوّل في الأرض يبرّر هذا المكسب.( المؤلّف قدس سره)