ج- السياسة الاقتصاديّة لتنمية الإنتاج:
هذه هي الخدمات التي قدّمها الإسلام بوصفه المذهبي لتنمية الإنتاج وزيادة الثروة. وترك بعد ذلك للدولة أن تدرس الشروط الموضوعيّة للحياة الاقتصاديّة، وتحصي ما في البلاد من ثروات طبيعيّة، وتستوعب ما يختزنه المجتمع من طاقات، وما يعيشه من مشاكل، وتضع على ضوء ذلك كلّه وفي الحدود المذهبيّة السياسة الاقتصاديّة التي تؤدّي إلى زيادة الإنتاج ونموّ الثروة، وتضمن يُسرَ الحياة ورخاء المعيشة.
وعلى هذا الأساس نعرف علاقة المذهب بالسياسة الاقتصاديّة التي ترسمها الدولة وتحدّدها إلى مدى خمس سنوات أو سبع أو أكثر أو أقلّ للوصول إلى أهداف معيّنة في نهاية تلك المدّة، فإنّ هذه السياسة ليست جزءاً من المذهب، ولا من وظيفة المذهب وضعها وتحديدها؛ لأنّها تختلف باختلاف الظروف الموضوعيّة، ونوع الإمكانات التي يملكها المجتمع، وطبيعة المشاكل والصعاب التي لا بدّ من التغلّب عليها. فالبلاد الكثيفة السكّان بدرجة كبيرة مثلًا تختلف عن البلاد القليلة السكّان الواسعة الأرجاء في إمكاناتها ومشاكلها وأساليب التغلّب على هذه المشاكل وتعبئة تلك الإمكانات. وهكذا يكون لكلّ ظرف موضوعي أثره في تحديد السياسة التي يجب انتهاجها.
ولهذا كان لزاماً على المذهب أن يترك رسم تفاصيل هذه السياسة إلى الدولة؛ لتصنع التصميم الذي يتّفق مع الظروف التي تكتنفها، ويقتصر المذهب على وضع الأهداف الرئيسيّة للسياسة الاقتصاديّة وحدودها العامّة، وإطارها المذهبي الشامل الذي يجب على الدولة التقيّد به ووضع سياستها ضمنه.