ويمكننا أن نضيف إلى مجموعة الأحكام التي قدّمناها للكشف عن الترابط بين البناء والنظريّة حكماً آخر سبق أن تقدّم في الفقرة (6)، وهو الحكم الذي يقضي بعدم السماح للعامل في عقد المضاربة بالاتّفاق مع عامل آخر على أن يقوم الأخير بالعمل لقاء نسبة مئوية من الأرباح أقلّ من النسبة التي حصل عليها العامل الأوّل. ومن الواضح أنّ المنع عن هذه العمليّة يتّفق كلّ الاتّفاق مع المدلول السلبي للقاعدة التي نمارس اكتشافها، وهو رفض الكسب الذي لا يقوم على أساس العمل المنفق؛ لأنّ العامل الأوّل حين ينجز العمليّة الآنفة الذكر سوف يحتفظ لنفسه بالتفاوت بين النسبتين المئويّتين، ويكون هذا التفاوت كسباً بدون عمل منفق، فمن الطبيعي أن يلغى وفقاً للقاعدة العامّة.
6- لماذا لا تشترك وسائل الإنتاج في الربح؟
بقي علينا أن نواجه سؤالًا أخيراً بشأن أحكام المشاركة في الأرباح من البناء العلْوي المتقدّم. ولنمهّد لهذا السؤال باستخلاص المعلومات التي اكتشفناها حتّى الآن. فقد عرفنا أنّ الكسب لا يسمح به في نظريّة توزيع ما بعد الإنتاج في الإسلام إلّاعلى أساس العمل المنفق، والعمل المنفق نوعان: عمل مباشر يوجد وينفق في وقت واحد كعمل الأجير. وعمل منفصل مختزن يوجد بصورة مسبقة وينفق خلال انتفاع المستأجر به، كالعمل المختزن في الدار أو أداة الإنتاج الذي ينفق ويستهلك خلال سكنى المستأجر فيها والانتفاع بها.
وعرفنا أيضاً أنّ ملكيّة رأس المال النقدي ليست مصدراً للكسب، ولأجل ذلك كان القرض بالفائدة محرّماً؛ لأنّ الفائدة لا تقوم على أساس عمل منفق.
واستطعنا أن نستوعب جميع ألوان الاجور الثابتة، ما كان منها جائزاً كاجرة الدار، وما كان منها محرّماً كالفائدة الربويّة، ونطبّق القاعدة بنجاح عليها بمدلولها