والطاقة الخلّاقة لكلّ محتوياته الفكرية والمادية، وليست شتّى العوامل الاخرى إلّا بنيات فوقية في الهيكل الاجتماعي للتأريخ، فهي تتكيّف وفقاً للعامل الرئيسي، وتتغيّر بموجب قوّته الدافعة التي يسير في ركبها التأريخ والمجتمع.
***
وكلّ هذه المحاولات لا تتّفق مع الواقع، ولا يقرّها الإسلام؛ لأنّ كلّ واحد منها قد حاول أن يستوعب بعامل واحد تفسير الحياة الإنسانية كلّها، وأن يهب هذا العامل من أدوار التأريخ وفصول المجتمع ما ليس جديراً به لدى الحساب الشامل الدقيق.
والهدف الأساسي من بحثنا هذا هو: دراسة المادية التأريخية من تلك المحاولات، وإنّما استعرضناها جميعاً لأنّها تشترك في التعبير عن اتجاه فكري في تفسير الإنسان المجتمعي بعامل واحد.
العامل الاقتصادي أو المادية التأريخية
ولنكوّن الآن فكرة عامة عن المفهوم الماركسي للتأريخ، الذي يتبنّى العامل الاقتصادي بصفته المحرّك الحقيقي لموكب البشرية في كلّ الميادين.
فالماركسية تعتقد أنّ الوضع الاقتصادي لكلّ مجتمع، هو الذي يحدّد أوضاعه الاجتماعية، والسياسية، والدينية، والفكرية، وما إليها من ظواهر الوجود الاجتماعي. والوضع الاقتصادي بدوره له سببه الخاصّ به، ككلّ شيء في هذه الدنيا، وهذا السبب- السبب الرئيسي لمجموع التطوّر الاجتماعي، وبالتالي لكلّ حركة تأريخية في حياة الإنسان- هو وضع القوى المنتجة ووسائل الإنتاج.
فوسائل الإنتاج هي القوّة الكبرى، التي تصنع تأريخ الناس وتطوّرهم وتنظّمهم.