2- ربط تنمية الإنتاج بالتوزيع:
وفيما يتّصل بالفكرة الرأسماليّة عن إنماء الإنتاج التي تنظر إلى عمليّة تنمية الثروة بصورة منفصلة عن نوع توزيعها فإنّ الإسلام يرفض هذه النظرة، ويربط تنمية الثروة- كهدف- بالتوزيع، ومدى ما يحقّق نموّ الثروة لأفراد الامّة من يسر ورخاء؛ لأنّ تنمية الثروة في مفهوم الإسلام هدف طريق لا هدف غاية كما عرفنا في الفقرة السابقة، فما لم تساهم عمليّات التنمية في إشاعة اليسر والرخاء بين الأفراد، وتوفّر لهم الشروط التي تمكّنهم من الانطلاق في مواهبهم الخيّرة وتحقيق رسالتهم فلن تؤدّي تنمية الثروة دورها الصالح في حياة الإنسان.
ولهذا نجد أنّ كتاب الإمام علي عليه السلام إلى حاكم مصر- الذي حدّد فيه الإمام لواليه البرنامج الإسلامي الذي يجب عليه تطبيقه- حين أراد أن يتحدّث عن تنمية الثروة بوصفها هدفاً من أهداف مجتمع المتّقين- على حدّ تعبير الكتاب- لم يصوّر تكديساً هائلًا للثروة، وإنّما صوّر اليسر والرخاء يعمّ حياة الأفراد جميعاً في مجتمع المتّقين. وهذا تأكيد على أنّ تنمية الثروة ليست هدفاً إلّابمقدار ما تنعكس في حياة الناس ومعيشتهم. وأمّا حين تنمو الثروة بشكل منفصل عن حياة الناس، ويكون الجمهور في خدمة هذه التنمية لا التنمية في خدمة الجمهور فسوف تكتسب الثروة نوعاً من الصنميّة، وتصبح هدف غاية لا هدف طريق، ويصدق عليها قول النبيّ صلى الله عليه و آله وهو يعبّر عن هذا اللون من الثروة ويحذّر من أخطارها: «إنّ الدنانير الصفر والدراهم البيض مهلكاكم كما أهلكا مَن كان قبلكم»[1].
[1] مجمع الزوائد( للهيثمي) 3: 122، والمعجم الوسيط( للطبراني) 3: 28، الحديث 2043، مع اختلاف يسير