الذي يبرز هذا الحدّ أو ذاك. فالثروة في رأي الإسلام وتنميتها هدف من الأهداف المهمّة، ولكنّه هدف طريق لا هدف غاية، فليست الثروة هي الهدف الأصيل الذي تضعه السماء للإنسان الإسلامي على وجه الأرض، وإنّما هي وسيلة يؤدّي بها الإنسان الإسلامي دور الخلافة، ويستخدمها في سبيل تنمية جميع الطاقات البشريّة، والتسامي بإنسانيّة الإنسان في مجالاتها المعنويّة والمادّية، فتنمية الثروة والإنتاج لتحقيق الهدف الأساسي من خلافة الإنسان في الأرض هي نِعم العون على الآخرة، ولا خير في مَن لا يسعى إليها، وليس من المسلمين- بوصفهم حملة رسالة في الحياة- مَن تركها وأهملَها. وأمّا تنمية الثروة والإنتاج لأجل الثروة بذاتها، وبوصفها المجال الأساسي الذي يمارس الإنسان فيه حياته ويغرق فيه فهي رأس كلّ خطيئة، وهي التي تبعد الإنسان عن ربّه، ويجب الزهد فيها.
فالإسلام يريد من الإنسان الإسلامي أن ينمّي الثروة ليسيطر عليها، وينتفع بها في تنمية وجوده ككلّ، لا لتسيطر عليه الثروة، وتستلم منه زمام القيادة، وتمحو من أمامه الأهداف الكبرى.
فالثروة وأساليب تنميتها التي تحجب الإنسان الإسلامي عن ربّه، وتنسيه أشواقه الروحيّة، وتعطّل رسالته الكبرى في إقامة العدل على هذا الكوكب، وتشدّه إلى الأرض لا يقرّها الإسلام، والثروة وأساليب التنمية التي تؤكّد صلة الإنسان الإسلامي بربّه المنعم عليه، وتهيّئ له عبادته في يُسرٍ ورخاء، وتفسح المجال أمام كلّ مواهبه وطاقته للنموّ والتكامل، وتساعد على تحقيق مُثُله في العدالة والاخوّة والكرامة هي الهدف الذي يضعه الإسلام أمام الإنسان الإسلامي ويدفعه نحوه.