عن طريق التجربة الاجتماعية المتمثّلة في الأوضاع السياسية والاقتصادية وغيرها … لأنّ هذا التفسير المتبادل للوضع الاجتماعي والوعي العملي نظير تفسير الماركسية- تماماً- لكلٍّ من تأريخ القوى المنتجة والوعي العلمي بالآخر.
والسؤال بعد هذا كلّه: لماذا يجب أن نُدخل وسائل الإنتاج في حساب التفسير التأريخي والاجتماعي؟ ولماذا لا يمكن أن نكتفي بهذا التفسير المتبادل للوضع الاجتماعي والأفكار، أحدهما بالآخر؟
إنّ الضرورة الفلسفية ومفاهيم العلّة والمعلول التي أكّد عليها أنجلز تسمح لنا بمثل هذا التفسير، فإن كانت توجد أسباب تمنع عن الأخذ به فإنّما هي الملاحظات والتجارب التأريخية، وذلك ما سوف نتناوله في الدليل العلمي.
ب- الدليل السيكولوجي:
نقطة البدء في هذا الدليل هي: محاولة التدليل على أنّ نشوء الفكر في حياة الإنسانية كان نتاجاً لظواهر وأوضاع اجتماعية معيّنة، وينتج عن ذلك: أنّ الكيان الاجتماعي سبق في وجوده التأريخي وجود الفكر، فلا يمكن أن نفسّر الظواهر الاجتماعية في تكوّنها الأوّل ونشوئها بعامل مثالي- كأفكار الإنسان- ما دامت هذه الأفكار لم تظهر في التاريخ إلّابصورة متأخّرة عن حدوث ظواهر اجتماعية معيّنة في حياة الناس. وليس من اتجاه علمي بعد ذلك لتفسير المجتمع وتعليل ولادته إلّاالاتجاه المادي، الذي يطرح العوامل الفكرية جانباً ويفسّر المجتمع بالعامل المادّي، بوسائل الإنتاج.
فالنقطة الرئيسية في هذا الدليل إذن أن نبرهن على أنّ الأفكار لم تحدث في عالم الإنسانية إلّاكنتيجة لظاهرة اجتماعية سابقة؛ لكي يستنتج من ذلك أنّ المجتمع سابق تأريخياً على الفكر، وناشئ عن العوامل المادية، وليس ناشئا