بدورها عن قوى الإنتاج، دون أن تعترف بسبب أعلى من وسائل الإنتاج.
وقد أكّد أنجلز على إمكان هذا اللون من التفسير- تفسير كلّ من قوى الإنتاج والأفكار التأمّلية في تطوّرهما بالآخر- ونوّه: بأنّ الديالكتيك لا يقرّ تصوّر العلّة والمعلول بوصفهما قطبين متعارضين تعارضاً حادّاً، كما اعتاد غير الديالكتيكيين إدراكهما كذلك، فهم يرون دائماً أنّ العلّة هنا والمعلول هناك، وإنّما يفهم الديالكتيك العلّة والمعلول على شكل فعل وردّ فعل للقوى.
هذه هي النقطة التي أوضحناها تمهيداً لتحليل الدليل الفلسفي ونقده كي نقول: إذا كان هذا ممكناً من الناحية الفلسفية، وجاز أن يسير التفسير في حلقة دائرية- كما صنعت الماركسية بالنسبة إلى القوى المنتجة وتطوّرها- فلماذا لا يمكن فلسفياً أن نصطنع نفس هذا الاسلوب في تفسير الوضع الاجتماعي؟! فنقرّر: أنّ الوضع الاجتماعي- في الحقيقة- عبارة عن التجربة الاجتماعية التي يخوضها الإنسان خلال علاقاته بالأفراد الآخرين، كما يخوض تجربته الطبيعية مع القوى المنتجة خلال عمليات الإنتاج. فكما أنّ الأفكار التأمّلية للإنسان تنمو وتتكامل في ظلّ التجربة الطبيعية، ثمّ تؤثّر بدورها في تطوير التجربة وتجديد وسائلها كذلك الأفكار العملية للمجتمع تنمو وتتطوّر في ظلّ التجربة الاجتماعية وتؤثّر في تطويرها وتجديدها.
فوعي الإنسان العلمي للكون ينمو باستمرار من خلال التجربة الطبيعية، وتنمو بسببه التجربة الطبيعية وقواها المنتجة نفسها. وكذلك وعي الإنسان العملي للعلاقات الاجتماعية ينمو باستمرار من خلال التجربة الاجتماعية، وتتطوّر بسببه التجربة الاجتماعية نفسها، وعلاقاتها السائدة.
وعلى هذا الأساس لا مانع- من ناحية فلسفية- يمنع الماركسية من أن تفسّر الوضع الاجتماعي عن طريق الآراء العملية، ثمّ تفسّر تغيّر الآراء وتطوّرها