باستمرار الأفكار والمعارف التأمّلية[1]. فالأفكار التأملية والمعارف العلمية تنتج كلّها عن التجربة خلال ممارسة الإنسان لقوى الطبيعة المنتجة، وحين يكسب الإنسان تلك الأفكار والمعارف عن طريق ممارسة القوى الطبيعية المنتجة تصبح هذه الأفكار التأملية والمعارف العلمية قوى يستعين بها الإنسان على إيجاد وسائل إنتاج، وتجديد القوى المنتجة، وتطويرها باستمرار.
ومعنى هذا: أنّ تأريخ تطوّر القوى المنتجة تمّ وفقاً للتطوّر العلمي والتأمّلي، ونشأ عنه. والتطوّر العملي بدوره نشأ عن تلك القوى خلال تجربتها.
وبهذا استطاعت الماركسية أن تضمن لوسائل الإنتاج موقعها الرئيسي من التأريخ وتفسّر تطوّرها عن طريق الأفكار التأملية والمعارف العلمية المتزايدة الناشئة
[1] فإنّ أفكار الإنسان تنقسم إلى فئتين:
إحداهما: الأفكار التأملية، ونعني بها معلومات الإنسان عن الكون الذي يعيش فيه، وما يزخر به من ألوان الوجود، وما تسيّره من قوانين نظير معرفتنا بكرويّة الأرض، أو بأساليب تدجين الحيوان، أو بأساليب تحويل الحرارة إلى حركة، والمادة إلى طاقة، أو بأنّ كلّ حادثة خاضعة لسبب، وما إلى ذلك من آراء تدور حول تحديد طبيعة العالم، ونوعية القوانين التي تحكم عليه.
والفئة الاخرى من أفكار الإنسان: الآراء العملية، وهي آراء الناس في السلوك الذي ينبغي أن يتبعه الفرد والمجتمع في المجالات السياسية والاقتصادية والشخصية، كرأي المجتمع الرأسمالي في العلاقة التي ينبغي أن تقوم بين العامل وصاحب المال، ورأي المجتمع الاشتراكي في رفض هذه العلاقة، أو رأي هذا المجتمع أو ذاك في السلوك الذي ينبغي أن يتّبعه الزوجان، أو النهج السياسي الذي يجب على الحكومة اتّباعه.
فالأفكار التأملية: هي إدراكات لما هو واقع وكائن، والأفكار العملية: إدراكات لما ينبغي أن يكون، وما ينبغي أن لا يكون.( المؤلف قدس سره)