والاقتصادية تسير سيراً معاكساً للاتجاه الذي قدّره ماركس. فلم يتفاقم التناقض، ولم يتّسع البؤس، بل أخذ بالانكماش نسبياً، وأثبتت التجارب السياسية أنّ بالإمكان تحقيق مكاسب مهمّة للجمهور البائس بخوض المعترك السياسي دونما ضرورة لتفجير البركان بالدماء.
وسار الماركسيون الاشتراكيون في اتجاهين مختلفين:
أحدهما: الاتجاه الإصلاحي الديمقراطي.
والآخر: الاتجاه الانقلابي الثوري.
فالاتجاه الأوّل كان هو الاتجاه العام للاشتراكية في عدّة من الأقطار الاوروبية الغربية، التي بدا للاشتراكيين في ضوء ما حصل لها من تقدّم سياسي واقتصادي أنّ الثورة أصبحت غير ضرورية.
وأمّا الاتجاه الثاني فقد سيطر على الحركة الاشتراكية في اوروبا الشرقية، التي لم تشهد ظروفاً فكرية وسياسية واقتصادية مماثلة لظروف الغرب. وقام الصراع بين الاتجاهين الماركسيين حول تفسير الماركسية لحساب هذا الاتجاه أو ذاك، وقدّر أخيراً للاتجاه الثوري في اوروبا الشرقية أن ينجح، فهلّل له الاشتراكيون الثوريون، واعتبروه الدليل الحاسم على أنّ الاتجاه الثوري هو الذي تتجسّد فيه الماركسية بمطلقاتها وأبدياتها النهائية.
وفات هؤلاء جميعاً- كما فات ماركس قبلهم- أ نّهم ليسوا إزاء حقيقة مطلقة أبدية، وإنّما هم إزاء فكرة استوحاها ماركس من ظروفه والأجواء الفكرية والسياسية التي كان يعيشها، ثمّ وضع عليها المساحيق العلمية، وأعلنها قانوناً مطلقاً لا يقبل التخصيص والاستثناء.
وليس من شاهد على ذلك أقوى من تناقض الاشتراكية الماركسية في اتجاهها بعد ماركس- كما أشرنا سابقاً- واتخاذها في الشرق طابعاً ثورياً، وفي