ضمان مستوى الكفاية من العيش الكريم لجميع الأفراد العاجزين والمعوزين.
والطريقة المذهبيّة التي وضعت لتنفيذ هذه الكفرة هي القطّاع العامّ الذي أنشأه الاقتصاد الإسلامي ضماناً لتحقيق هذه الفكرة في جملة ما يحقّق من أهداف.
وقد يكون أروع نصّ تشريعي في إشعاعه المحتوى المذهبي للأساس والفكرة والطريقة جميعاً هو المقطع القرآني في سورة الحشر الذي يحدّد وظيفة الفيء، ودوره في المجتمع الإسلامي بوصفه قطّاعاً عامّاً، وإليكم النصّ:
«وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ»[1].
ففي هذا النصّ القرآني قد نجد إشعاعاً بالأساس الذي تقوم عليه فكرة الضمان، وهو حقّ الجماعة كلّها في الثروة: «كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ»، وتفسيراً لتشريع القطّاع العامّ في الفيء بكونه طريقة لضمان هذا الحقّ، والمنع عن احتكار بعض أفراد الجماعة للثروة، وتأكيداً على وجوب تسخير القطّاع العامّ لمصلحة اليتامى والمساكين وابن السبيل؛ ليظفر جميع أفراد الجماعة بحقّهم في الانتفاع بالطبيعة التي خلقها اللَّه لخدمة الإنسان[2].
[1] سورة الحشر: 6 و 7
[2] هناك بعض الروايات يدلّ على ما يخالف ذلك في تفسير الآية، كالرواية التي تتحدّث عن نزول الآيتين في موضوعين مختلفين: فالاولى في الفيء، والثانية في الغنيمة أو في خمس الغنيمة خاصّة[ وسائل الشيعة 9: 527، الباب الأوّل من أبواب الأنفال، الحديث 12]. ولكنّ هذه الروايات ضعيفة السند، كما يظهر بتتبّع سلسلة رواتها. ولهذا يجب أن نفسّر الآيتين في ضوء ظهورهما، ومن الواضح ظهورهما في الحديث عن موضوع واحد وهو الفيء. فالآية الاولى تنفي حقّ المقاتلين في الفيء؛ لأنّه ممّا لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب، والآية الثانية تحدّد مصرف الفيء، أي الجهات التي يصرف عليها الفيء، ومن الواضح أنّ كون المساكين وابن السبيل واليتامى مصرفاً للفيء لا ينافي كونه ملكاً للنبيّ والإمام باعتبار منصبه كما دلّت على ذلك الروايات الصحيحة[ وسائل الشيعة 9: 523، الباب الأوّل من أبواب الأنفال وما يختصّ بالإمام].
فالمستخلص من تلك الروايات بعد ملاحظة الآية معها: أنّ الفيء ملك المنصب الذي يشغله النبيّ والإمام. ومصرفه الذي يجب عليه صرفه عليه هو ما يدخل ضمن دائرة العناوين التي ذكرتها الآية من المصالح المرتبطة باللَّه والرسول وذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل. وبتحديد المصرف بموجب الآية الكريمة يقيّد عموم قوله« يجعله حيث يحبّ» في رواية زرارة[ المصدر السابق، الحديث 10، وهي رواية محمّد بن مسلم، لا زرارة]، فتكون النتيجة: أنّ الإمام يجعله حيث يُحبّ ضمن الدائرة التي حدّدتها الآية الكريمة.( المؤلّف قدس سره)