3- التفسير الخُلقي للملكيّة في الإسلام
كنّا ندرس الملكيّة والحقوق الخاصّة حتّى الآن على ضوء النظريّة العامّة لتوزيع ما قبل الإنتاج، فالبحث كان يقوم على أساس المذهب الاقتصادي. وفي خلال البحث استطعنا أن نقدّم للملكيّة والحقوق الخاصّة تفسيراً نظريّاً يعكس وجهة نظر المذهب الاقتصادي في الإسلام. ونريد الآن أن نقدّم للملكيّة تفسيرها الخُلقي في الإسلام. واريد بالتفسير الخُلقي للملكيّة الخاصّة: استعراض التصوّرات المعنويّة التي أعطاها الإسلام عن الملكيّة ودورها وأهدافها، وعمل لإشاعتها بين الأفراد لتصبح قوى موجّهة للسلوك، ومؤثّرة على تصرّفات الأفراد التي تتّصل بملكيّاتهم وحقوقهم الخاصّة.
وقبل أن نأخذ بالتفصيلات في التفسير الخُلُقي للملكيّة يجب أن نميّز بكلّ وضوح بينه وبين التفسير المذهبي للملكيّة الذي عالجناه فيما تقدّم من وجهة نظر اقتصاديّة. ولكي يتاح لنا هذا التمييز يمكننا أن نستعير من تفصيلات التفسير الخُلُقي الآتية مفهوم الخلافة؛ لنقارن بينه وبين النظريّة العامّة في التوزيع التي فسّرنا الحقوق الخاصّة على أساسها من وجهة نظر المذهب الاقتصادي.
فالخلافة تُضفي طابع الوكالة على الملكيّة الخاصّة، وتجعل من المالك أميناً على الثروة، ووكيلًا عليها من قبل اللَّه تعالى الذي يملك الكون وجميع ما يضمّ من ثروات. وهذا التصوّر الإسلامي الخاصّ لجوهر الملكيّة متى تركّز وسيطر على ذهنيّة المالك المسلم أصبح قوّة موجّهة في مجال السلوك، وقيداً صارماً يفرض على المالك التزام التعليمات والحدود المرسومة من قبل اللَّه عزّ وجلّ، كما يلتزم الوكيل والخليفة دائماً بإرادة الموكّل والمستخلِف.