حاجة مستنبطها. وأمّا الأرض فلمّا كانت بطبيعتها لا تسمح لانتفاع فردين بها في وقت واحد فقد شرّع الطسق الذي ينفقه الإمام على مصالح الجماعة ليتاح للآخرين الاستفادة عن هذا الطريق، بعد أن حال الحقّ الخاصّ لصاحب الأرض الذي أحياها عن انتفاع الآخرين بتلك الأرض انتفاعاً مباشراً.
الثاني: أن نفسّر الطسق بصورة منفصلة عن النظريّة العامّة للتوزيع، وذلك على أساس أ نّه ضريبة تتقاضها الدولة لصالح العدالة الاجتماعيّة؛ لأنّنا سوف نرى عند دراسة الأنفال ووظيفتها في الاقتصاد الإسلامي أنّ من أهمّ أغراض الأنفال في الشريعة الضمان الاجتماعي وحماية التوازن العامّ. وما دام الطسق يعتبر- تشريعيّاً- من الأنفال فمن المعقول أن يعتبر ضريبة نابعة من النظريّة العامّة في العدالة الاجتماعيّة وما تضمّ من مبادئ الضمان والتوازن العامّ. وإنّما اختصّت الأرض بهذه الضريبة الضخمة لأهمّيتها ولخطورة دورها في الحياة الاقتصاديّة، فشرّعت هذه الضريبة وقاية للمجتمع الإسلامي من أعراض الملكيّة الخاصّة للأرض التي منيت بها المجتمعات غير الإسلاميّة، ومقاومةً لمآسي الريع العقاري التي ضجّ بها تاريخ الأنظمة البشريّة، ودوره في إشاعة الفروق والتناقضات وتعميقها. ويشابه الطسق على هذا الأساس الخمس الذي فرض ضريبةً على ما يستخرج من المعدن.
وفي النهاية وقد قدّمنا هذين التفسيرين النظريّين للطسق يمكننا أن نردّ أحدهما إلى الآخر في نظرة أشمل وأوسع، فنفسّر الطسق بأ نّه ضريبة سمح للإمام بفرضها لأغراض الضمان والتوازن وحماية الأفراد الضعفاء في الجماعة، ونفسّر هذه الأغراض نفسها وحتميّة تنفيذها على الأفراد الأقوياء، بما للجماعة من حقّ عام مسبق في مصادر الطبيعة يجعل لها على الأفراد الذين يحيون تلك المصادر ويستثمرونها، الحقّ في حماية مصالحها وإنقاذ ضعفائها.