يفكّر في شيء غائب عن حسّه، فلكي يكون الإنسان كائناً مفكّراً لا بدّ من أن توجد له منبّهات وراء نطاق الإحساسات نطاق المنبّهات الطبيعية.
***
ولنفترض أنّ هذا كلّه صحيح فهل يعني ذلك أنّ اللغة هي أساس وجود الفكر في الحياة الإنسانية؟ كلّا، فإنّ إشراط شيء معيّن بالمنبّه الطبيعي لكي يكون منبّهاً شرطياً يحصل تارةً بصورة طبيعية، كما إذا اتّفق أن اقترنت رؤية الماء بصوت معيّن أو بحالة نفسية معيّنة مرّات عديدة حتّى أصبح ذلك الصوت أو هذه الحالة منبّهاً شرطياً يطلق نفس الاستجابة التي كان يطلقها الإحساس بالماء، فالإشراط في هذه الحالات إشراط طبيعي. ويحصل هذا الإشراط تارةً اخرى نتيجة لقصد معيّن، كما في سلوكنا مع الطفل؛ إذ نقدّم له شيئاً كالحليب ونكرّر له اسمه، حتّى يربط بين الكلمة والشيء، ويصبح الاسم منبّهاً شرطياً للطفل نتيجة للطريقة التياتّبعناها معه.
ولا شكّ في أنّ عدّة من الأصوات والأحداث قد اقترنت بمنبّهات طبيعية عبر حياة الإنسان، واشرطت بها إشراطاً طبيعياً، وأصبحت بذلك تطلق استجابات معيّنة في ذهن الإنسان. وأمّا أدوات اللغة- على وجه العموم- وألفاظها التي تمّ إشراطها خلال عملية اجتماعية فهي إنّما اشرطت نتيجة لحاجة الإنسان إلى التعبير عن أفكاره ونقلها إلى الآخرين، أي أ نّها وجدت في حياة الإنسان؛ لأنّه كائن مفكّر يريد التعبير عن أفكاره، لا أنّ الإنسان أصبح كائناً مفكّراً بسبب أنّ اللغة وجدت في حياته، وإلّا فلماذا وجدت في حياته خاصّة ولم توجد في حياة سائر أنواع الحيوان؟! فاللغة ليست أساس الفكر، وإنّما هي اسلوب خاصّ للتعبير عنه اتّخذه الإنسان منذ أبعد العصور، حين وجد نفسه- وهو يخوض معركة الحياة مع أفراد آخرين- بحاجة ملحّة إلى التعبير عن أفكاره، وتفهّم أفكار الآخرين في