المسألة على الوجه التالي: هل أنّ اللغة هي التي خلقت من الإنسان كائناً مفكّراً بصفتها ظاهرة اجتماعية معيّنة كما يقرّر بولتزير، أو أ نّها وجدت في حياة الإنسان المفكّر نتيجةً لأفكار كانت تريد الوسيلة للتعبير عنها وعرضها على الآخرين؟
ونحن لا نستطيع أن نأخذ بالتقدير الأوّل الذي حاول (بولتزير) التأكيد عليه، حتّى حين ننطلق في البحث من تجارب (بافلوف) والقاعدة التي وضعها عن المنبّهات الطبيعية والشرطية.
***
ولكي نكون أكثر وضوحاً يجب إعطاء فكرة مبسّطة عن آراء (بافلوف[1]) وطريقته في تفسير الفكر تفسيراً فسيولوجياً، فإنّ هذا العالم الشهير استطاع أن يدلّل بالتجربة على أنّ شيئاً معيّناً إذا ارتبط بمنبّه طبيعي اكتسب نفس فعاليته، وأخذ يقوم بدوره، ويحدث نفس الاستجابة التي يحدثها المنبّه الطبيعي. فتقديم الطعام إلى الكلب- مثلًا- منبّه طبيعي يحدث فيه استجابة معيّنة، إذ يسيل لعابه أوّل ما يرى الإناء الذي يحتوي على الطعام. وقد لاحظ ذلك (بافلوف)، فأخذ يدقّ جرساً عند تقديم الطعام إلى الكلب، وكرّر هذا عدّة مرّات، ثمّ أخذ يدقّ الجرس من دون تقديم الطعام، فوجد أنّ لعاب الكلب يسيل. واستنتج من هذه التجربة: أنّ دقّ الجرس أصبح يحدث نفس الاستجابة التي كان المنبّه الطبيعي (/ تقديم الطعام) يحدثها، ويؤدّي نفس دوره بسبب اقترانه واشتراطه به عدّة مرّات، ولهذا أطلق على دقّ الجرس اسم «المنبّه الشرطي»، وسمّى تحلّب اللعاب وسيلانه الذي يحدث بسبب دقّ الجرس «استجابة شرطيّة».
وعلى هذا الأساس حاول جماعة أن يفسّروا الفكر الإنساني كلّه تفسيرا
[1] راجع نظريّته مفصّلة في: المدخل إلى علم النفس الحديث: 77- 87