في قرون اوروبا الوسطى؟ وكيف شاعت الآراء التي تعارض الملكية الخاصّة في المرحلة التأريخية الحاضرة دون المراحل السابقة؟
وهنا قد نفسّر- بل من الضروري أن نفسّر- نشوء الآراء وتطوّرها عن طريق الأوضاع الاجتماعية بصورة عامّة، أو بعض تلك الأوضاع- كالوضع الاقتصادي- بوجه خاصّ، ولكن هذا لا يعني أ نّنا تقدّمنا في حلّ المشكلة الفلسفية شيئاً؛ لأنّنا لم نصنع أكثر من أ نّنا فسّرنا تكوّن الآراء وتطوّرها تبعاً لتكوّن الأوضاع الاجتماعية وتطوّرها. وبذلك انتهينا إلى النقطة التي ابتدأنا بها، انتهينا إلى الأوضاع الاجتماعية، التي كنّا نريد منذ البدء أن نفسّرها، ونستكشف أسبابها.
فإذا كانت الآراء وليدة الأوضاع الاجتماعية فما هي الأسباب التي تنشأ عنها الأوضاع الاجتماعية وتتطوّر طبقاً لها؟ وبكلمة اخرى: ما هو السبب الأصيل للمجتمع والتأريخ؟
وليس أمامنا في هذا الحال لاستكشاف أسباب الوضع الاجتماعي وتفسيره إلّاأحد سبيلين:
الأوّل: أن نرجع إلى الوراء خطوة، فنكرّر الرأي السابق القائل بتفسير الأوضاع الاجتماعية بمختلف ألوانها السياسية والاقتصادية وغيرها بالأفكار والآراء. ونكون حينئذٍ قد دُرنا في حلقة مفرغة؛ لأنّنا قلنا أوّلًا: إنّ الآراء والأفكار وليدة الأوضاع الاجتماعية، فإذا عدنا لنقول: إنّ هذه الأوضاع نتيجة للأفكار والآراء رسمنا بذلك خطّاً دائرياً، ورجعنا من حيث أردنا أن نتقدّم.
وهذا السبيل هو الذي سار فيه المفسّرون المثاليون للتأريخ جميعاً. قال بليخانوف:
«وجد هيجل نفسه في ذات الحلقة المفرغة التي وقع فيها علماء الاجتماع والمؤرّخون الفرنسيون، فهم يفسّرون