والفارق بين هذين النوعين من العلاقات: أنّ الإنسان يمارس النوع الأوّل من العلاقات، سواء كان يعيش ضمن جماعة أم كان منفصلًا عنها، فهو يشتبك على أيّ حال مع الطبيعة في علاقات معيّنة يحدّدها مستوى خبرته ومعرفته، فيصطاد الطير، ويزرع الأرض، ويستخرج الفحم، ويغزل الصوف بالأساليب التي يجيدها. فهذه العلاقات بطبيعتها لا يتوقّف قيامها بين الطبيعة والإنسان على وجوده ضمن جماعة، وإنّما أثر الجماعة على هذه العلاقات أ نّها تؤدّي إلى تجميع خبرات وتجارب متعدّدة، وتنمية الرصيد البشري لمعرفة الطبيعة، وتوسعة حاجات الإنسان ورغباته تبعاً لذلك.
وأمّا علاقات الإنسان بالإنسان التي تحدّدها الحقوق والامتيازات والواجبات فهي بطبيعتها تتوقّف على وجود الإنسان ضمن الجماعة، فما لم يكن الإنسان كذلك لا يقدم على جعل حقوق له وواجبات عليه. فحقّ الإنسان في الأرض التي أحياها، وحرمانه من الكسب بدون عمل عن طريق الربا، وإلزامه بإشباع حاجات الآخرين من ماء العين التي استنبطها إذا كان زائداً على حاجته … كلّ هذه العلاقات لا معنى لها إلّافي ظلّ جماعة.
والإسلام- كما نتصوّره- يميّز بين هذين النوعين من العلاقات، فهو يرى أنّ علاقات الإنسان بالطبيعة أو الثروة تتطوّر عبر الزمن تبعاً للمشاكل المتجدّدة التي يواجهها الإنسان باستمرار وتتابع، خلال ممارسته للطبيعة والحلول المتنوّعة التي يتغلّب بها على تلك المشاكل. وكلّما تطوّرت علاقاته بالطبيعة ازداد سيطرةً عليها وقوّةً في وسائله وأساليبه.
وأمّا علاقات الإنسان بأخيه فهي ليست متطوّرة بطبيعتها؛ لأنّها تعالج مشاكل ثابتة جوهريّاً مهما اختلف إطارها ومظهرها. فكلّ جماعة تسيطر خلال