والحاجة في هذا الحديث وإن جاءت مطلقة ولكنّ المقصود منها هو الحاجة الشديدة التي ورد الحديث الأوّل بشأنها؛ لأنّ غير الحاجات الشديدة لا يجب على المسلمين كفالتها وضمان إشباعها إجماعاً.
وينتج عن ذلك: أنّ الكفالة هي في حدود الحاجات الشديدة. فالمسلمون إذا كان لديهم فضل عن مؤونتهم فلا يسعهم- على حدّ تعبير النصّ في الحديث الأوّل- أن يتركوا أخاهم في حاجة شديدة، بل يجب عليهم إشباع تلك الحاجة وسدّها.
وقد ربط الإسلام بين هذه الكفالة ومبدأ الاخوّة العامّة بين المسلمين[1] ليدلّل على أ نّها ليست ضريبة التفوّق في الدخل فحسب، وإنّما هي التعبير العملي عن الاخوّة العامّة، سيراً منه على طريقته في إعطاء الأحكام إطاراً خُلُقيّاً يتّفق مع مفاهيمه وقِيَمه، فحقّ الإنسان في كفالة الآخر له مستمدّ- في مفهوم الإسلام- من اخوّته له، واندراجه معه في الاسرة البشريّة الصالحة. والدولة تمارس في حدود صلاحيّاتها حماية هذا الحقّ وضمانه. والحاجات التي يضمن هذا الحقّ إشباعها هي الحاجات الشديدة. وشدّة الحاجة تعني كون الحاجة حياتيّة، وعسر الحياة بدون إشباعها.
وهكذا نعرف أنّ الضمان الاجتماعي الذي يقوم على أساس التكافل يتحدّد- وفقاً له- بحدود الحاجات الحياتيّة للأفراد التي يعسر عليهم الحياة بدون إشباعها[2].
[1] سورة الحجرات: 10، ووسائل الشيعة 16: 385، الباب 37 من أبواب فعل المعروف، الحديث الأوّل، وراجع بحار الأنوار 74: 264- 274، الباب 16
[2] انظر الاصول من الكافي 2: 169