منتج الصوف لا يبيع الصوف مباشرة لمنتج الحنطة في مثالنا السابق، بل أخذ شخص ثالث يقوم بدور الوساطة بينهما، فيشتري الكمّيات المنتجة من الصوف لا لاستهلاكها في حاجته الخاصّة، بل لإعدادها وجعلها في متناول أيدي المستهلكين. فبدلًا عن أن يتّصل منتج الحنطة بمنتج الصوف ابتداءً أصبح يلتقي بهذا الوسيط الذي أعدّ الصوف في السوق وهيّأه للبيع، ويتّفق معه على الشراء.
ومن هنا نشأت عمليّات التجارة، وأصبح الوسيط يوفّر كثيراً من الوقت والجهد على المنتجين والمستهلكين.
وفي هذا الضوء نعرف أنّ التداول أو نقل الملكيّة في كلا الدورين- دور التقاء المنتجين مباشرةً ودور الوسيط التاجر- كان يسبقه عمل من أعمال الإنتاج ممّن ينقل ملكيّة المال إلى غيره ويحصل على ثمنه. ففي الدور الأوّل كان منتج الصوف يمارس بنفسه عمليّة إنتاج الصوف، ثمّ يبيعه وينقل ملكيّته إلى آخر بعوض. وفي الدور الثاني كان الوسيط يمارس عمليّة نقل الصوف إلى السوق والمحافظة عليه وإعداده في متناول يد المستهلك متى أراد، وهذا لونٌ من الإنتاج كما عرفنا قبل لحظات.
وهذا يعني أنّ الفوائد التي يجنيها البائع من نقل ملكيّة المال إلى غيره بعوض- وهي ما نسمّيه الآن بالأرباح- كانت نتيجة لعمل إنتاجي يمارسه البائع، ولم تكن نتيجة لنفس عمليّة نقل الملكيّة.
ولكنّ سيطرة الدوافع الأنانيّة على التجارة أدّت إلى تطويرها وانحرافها عن وضعها الطبيعي الذي كان ناتجاً عن حاجة موضوعيّة سليمة، وبخاصّة في عصر الرأسماليّة الحديثة، ونتج عن ذلك انفصال التداول والتبادل في كثير من الأحيان عن الإنتاج، وأصبح نقل الملكيّة عمليّة تُقصد لذاتها دون أن يسبقها أيّ عمل