ولكنّ عصر الآلة يمدّ الفرد بالقدرة على إحياء تلك المساحات الخطيرة، وإساءة استغلال القواعد العامّة للتوزيع في مرحلة التطبيق، فلا بدّ في هذه الحالة من توجيه التطبيق الوجهة التي تتّفق مع مُثُل العدالة الاجتماعيّة في الإسلام.
ومن هنا نشأت الصلة المذهبيّة في الإسلام بين الإنتاج والتوزيع، ومردّها في الحقيقة إلى فكرة التطبيق الموجّه التي تحدّد الإنتاج- بوصفه عمليّة تطبيق لقواعد التوزيع- تحديداً يضمن عدالة التوزيع واتّساقه مع مُثُل الإسلام وأهدافه.
وقد جسّد الإسلام فكرة التطبيق الموجّه التي تحدّد الإنتاج لحساب التوزيع في إعطاء وليّ الأمر الحقّ في التدخّل للحدّ من تطبيق القاعدة والمنع عن الأعمال التي تؤدّي إلى استغلال قواعد التوزيع استغلالًا سيّئاً، ففي مثال الأرض الذي قدّمناه يملك وليّ الأمر الحقّ في منع الفرد من ممارسة الإحياء إلّافي حدودٍ تُعيَّن وفقاً لتصوّر الإسلام للعدالة الاجتماعيّة، كما يقرّره مبدأ تدخّل الدولة الذي سوف ندرسه بتفصيل في بحث مقبل[1].
وهكذا نعرف أنّ تطوّر الإنتاج ونموّه قد يفرض على وليّ الأمر التدخّل في توجيه الإنتاج، والتحديد من مجالات تطبيق القواعد العامّة للتوزيع دون أن يمسّ جوهر القواعد نفسها.
وهذا يعني أنّ مبدأ تدخّل الدولة الذي يسمح لها بتوجيه التطبيق هو القاعدة التي ضمن بها الإسلام صلاحيّة قواعده العامّة في التوزيع، وانسجامها مع تصوّراته للعدالة الاجتماعيّة في كلّ زمان ومكان.
[1] سيأتي في مبحث: مبدأ تدخّل الدولة