وتتّسع ظاهرة الادّخار لدى المنتجين والبائعين، ونتيجة لذلك يظلّ جزء كبير من الثروة المنتجة دون تصريف، وتعاني السوق الرأسماليّة مشكلة تصريفها وأزمة تكدّسها، وتتعرّض حركة الإنتاج وبالتالي الحياة الاقتصاديّة عموماً لأشدّ الأخطار.
وقد ظلّت الرأسماليّة ردحاً من الزمن لا تدرك حقيقة هذه المشاكل التي تنجم عن دور الاكتناز الذي يمارسه النقد انسياقاً منها مع نظريّة التصريف التي تقول: إنّ الشخص عندما يريد بيع سلعة معيّنة لا يرغب في النقود لذاتها، بل للحصول على سلعة اخرى تشبع حاجاته، وهذا يعني أنّ إنتاج أ يّة سلعة يخلق طلباً مماثلًا على سلعة اخرى، فيتساوى العرض والطلب دائماً.
فالنظريّة تفترض أنّ بائع السلعة يستهدف دائماً من ذلك الحصول على سلعة اخرى، مع أنّ هذا الافتراض إنّما يصحّ في عصر المقايضة الذي تزدوج فيه عمليّة الشراء وعمليّة البيع، ولا يصدق على عصر النقد الذي يتيح للتاجر أن يبيع السلعة بقصد الحصول على المزيد من النقد وادّخاره واكتنازه لأجل توظيفه بعد ذلك في عمليّات القرض بفائدة.
وفي ضوء هذه المعلومات عن النقود ودورها الأصيل ودورها الطارئ ونتائجهما نستطيع أن ندرك الاختلاف الجوهري بين الإسلام والرأسماليّة. فبينما تقرّ الرأسماليّة استعمال النقد أداة للاكتناز وتشجّع عليه بتشريع نظام الفائدة يحاربه الإسلام بفرض ضريبة على النقد المكتنز، ويحثّ على إنفاق المال في المجالات الاستهلاكيّة والإنتاجية، حتّى جاء في الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام: «إنّ اللَّه إنّما أعطاكم هذه الفضول من الأموال لتوجّهوها حيث وجّهها اللَّه، ولم يعطِكموها لتكنزوها»[1].
[1] الفروع من الكافي 4: 32، الحديث 5