وذلك عن طريق فرض ضريبة على ما يكنز من النقود الذهبيّة والفضّية التي كانت الدولة الإسلاميّة تجري على أساسها، وهي: ضريبة الزكاة التي تستنفد المال المدّخر على مرّ الزمن؛ لأنّها تتكرّر في كلّ عام، وتقطع كلّ مرّة ربع العشر من المال المدّخر، ولا تتركه الضريبة حتّى تنخفض به إلى عشرين ديناراً. ولأجل هذا تعتبر الزكاة مصادرة تدريجيّة للمال الذي يكنز ويجمد عن العمل، وبالقضاء على الاكتناز هذا تندفع جميع الأموال إلى حقول النشاط الاقتصادي وتمارس دوراً إيجابيّاً في الحياة الاقتصاديّة، وبذلك يكسب الإنتاج كثيراً من تلك الأموال التي كانت تؤثر بطبيعتها- لولا ضريبة المال المكتنز- أن تختفي في جيوب أصحابها بدلًا عن المساهمة في المشاريع الصناعيّة والزراعيّة وما إليها.
والواقع أنّ منع الإسلام من اكتناز النقود ليس مجرّد ظاهرة عرضيّة في التشريع الإسلامي، بل إنّه يعبّر عن أحد أوجه الخلاف الخطير بين المذهب الإسلامي والمذهب الرأسمالي، ويعكس الطريقة التي استطاع الإسلام بها أن يتخلّص من مشاكل الرأسماليّة الناجمة عن شذوذ الدور الرأسمالي للنقد الذي يؤدّي إلى أخطر المضاعفات، ويهدّد حركة الإنتاج ويعصف بالمجتمع الرأسمالي باستمرار.
ولكي يتّضح الخلاف الخطير بين المذهبين في هذه النقطة يجب أن نميّز بين الدور الأصيل للنقد والدور الطارئ الذي يمارسه في ظلّ الرأسماليّة، وندرك اختلاف هذين الدورين في نتائجهما وآثارهما على حركة الإنتاج وغيرها.
فالنقد بطبيعته أداة للتبادل، وقد استخدمه الإنسان في المبادلة تفادياً من مشاكل المقايضة التي كانت تتولّد عن مبادلة المنتجات بشكل مباشر. فقد وجد المنتجون الأوائل بعد تقسيم العمل وإقامة حياتهم على أساس المبادلة، أنّ من الصعب عليهم تبادل منتوجاتهم مباشرة؛ لأنّ منتج الحنطة إذا احتاج في حياته