وفي خبر عن الإمام جعفر عليه السلام أ نّه قال لمعاذ- وهو أحد أصحابه ممّن كان قد اعتزل العمل-: «يا معاذ، أضعفت عن التجارة أم زهدت فيها؟ فقال معاذ:
ما ضعفت عنها ولا زهدت فيها … عندي مال كثير، وهو في يدي وليس لأحد عليّ شيء، ولا أراني آكله حتّى أموت. فقال له الإمام: لا تتركها فإنّ تركها مذهبة للعقل»[1].
وفي محاورة اخرى ردّ الإمام على من طلب منه الدعاء له بالرزق في دَعَة، فقال له: «لا أدعو لك، اطلب كما أمرك اللَّه عزّ وجلّ»[2].
ويروى عن جماعة من الصحابة أ نّهم اعتكفوا في بيوتهم وانصرفوا إلى العبادة عند نزول قوله تعالى: «وَ مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ»[3]، وقالوا: قد كفانا، فأرسل إليهم النبيّ صلى الله عليه و آله قائلًا: «إنّ من فعل ذلك لم يستجب له، عليكم بالطلب»[4].
وكما قاوم الإسلام فكرة البطالة وحثّ على العمل كذلك قاوم فكرة تعطيل بعض ثروات الطبيعة، وتجميد بعض الأموال، وسحبها عن مجال الانتفاع والاستثمار، ودفع إلى توظيف أكبر قدر ممكن من قوى الطبيعة وثرواتها للإنتاج وخدمة الإنسان في مجالات الانتفاع والاستثمار، واعتبر الإسلام فكرة التعطيل أو إهمال بعض مصادر الطبيعة أو ثرواتها لوناً من الجحود وكفراناً بالنعمة التي أنعم اللَّه تعالى بها على عباده.
قال اللَّه تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِن
[1] وسائل الشيعة 17: 14، الباب 2 من أبواب مقدّمات التجارة، الحديث 4
[2] المصدر السابق: 20، الباب 4 من أبواب مقدّمات التجارة، الحديث 3 مع اختلافٍ يسير
[3] سورة الطلاق: 2- 3
[4] وسائل الشيعة 17: 27- 28، الباب 5 من أبواب مقدّمات التجارة، الحديث 7