على أساس المادية الديالكتيكية .. وقد مرّ بنا في (فلسفتنا) أنّ هذه الثنائية تزوير على البحث الفلسفي، يستهدف من ورائه اتهام كلّ خصوم المادية الجدلية بأ نّهم تصوّريون مثاليون لا يؤمنون بالواقع الموضوعي للعالم، بالرغم من أنّ الإيمان بهذا الواقع ليس وقفاً على المادية الجدلية فحسب، ولا يعني رفضها بحال من الأحوال التشكيك في هذا الواقع أو إنكاره …
وكذلك القول في حقلنا الجديد، فإنّ الإيمان بالحقيقة الموضوعية للمجتمع ولأحداث التأريخ لا ينتج الأخذ بالمفهوم المادّي، فهناك واقع ثابت لأحداث التأريخ، وكلّ حدث في الحاضر أو الماضي قد وقع فعلًا بشكل معيّن خارج شعورنا بتلك الأحداث، وهذا ما نتّفق عليه جميعاً، وليس هو من مزايا المادية التأريخية فحسب، بل يؤمن به كلّ من يفسّر أحداث التأريخ أو تطوّراته بالأفكار، أو بالعامل الطبيعي، أو الجنسي، أو بأيّ شيء آخر من هذه الأسباب.
كما تؤمن به الماركسية التي تفسّر التأريخ بتطوّر القوى المنتجة. فالإيمان بالحقيقة الموضوعية هو نقطة الانطلاق لكلّ تلك المفاهيم عن التأريخ، والبديهة الاولى التي تقوم تلك التفسيرات المختلفة على أساسها.
***
وشيء آخر: هو أنّ أحداث التأريخ- بصفتها جزءاً من مجموعة أحداث الكون- تخضع للقوانين العامة التي تسيطر على العالم، ومن تلك القوانين: مبدأ العلّية القائل: إنّ كلّ حدث سواء أكان تأريخياً أو طبيعياً، أم أيّ شيء آخر لا يمكن أن يوجد صدفة وارتجالًا، وإنّما هو منبثق عن سبب، فكلّ نتيجة مرتبطة بسببها، وكلّ حادث متّصل بمقدّماته، وبدون تطبيق هذا المبدأ- مبدأ العلّية- على المجال التأريخي يكون البحث التأريخي غير ذي معنى.
فالإيمان بالحقيقة الموضوعية لأحداث التأريخ، والاعتقاد بأ نّها تسير وفقا