والمادية التأريخية إذا أدّت امتحانها العلمي ونجحت فيه كانت هي المرجع الأعلى في تحديد المذهب الاقتصادي والنظام الاجتماعي لكلّ مرحلة تأريخية من حياة الإنسان، وأصبح من الضروري أن يدرس كلّ مذهب اقتصادي واجتماعي من خلال قوانينها وفي ضوئها، كما وجب أن يرفض تصديق أيّ مذهب اقتصادي واجتماعي يزعم لنفسه القدرة على استيعاب عدّة أدوار تأريخية مختلفة، كالإسلام المؤمن بإمكانية إقامة المجتمع وعلاقاته الاقتصادية والسياسية على أساسه، بقطع النظر عمّا طرأ على المجتمع من تغيير في شروطه المدنية والمادية خلال أربعة عشر قرناً، ولأجل هذا يقرّر أنجلز- على ضوء المادية التأريخية- بوضوح:
«إنّ الظروف التي ينتج البشر تحت ظلّها تختلف بين قطر وآخر، وتختلف في القطر الواحد من جيل لآخر؛ لذا فليس من الممكن أن يكون للأقطار كافة وللأدوار التأريخية جمعاء اقتصاد سياسي واحد»[1].
وأمّا إذا فشلت المادية التأريخية في أداء مهمّتها العلمية المزعومة، وثبت لدى التحليل أ نّها لا تعبّر عن القوانين الصارمة الأبدية للمجتمعات البشرية، فمن الطبيعي عندئذٍ أن تنهار الماركسية المذهبية المرتكزة عليها، ويصبح من الممكن علمياً عند ذاك أن يتبنّى الشخص المذهب الذي لا تقرّه قوانين المادية التأريخية كالمذهب الإسلامي، ويدعو إليه، بل وأن يزعم له من العموم وقدرة الاستيعاب ما لا يتفق مع منطق الماركسية في التأريخ.
ولهذا نجد لزاماً على كلّ باحث مذهبي في الاقتصاد أن يلقي نظرة شاملة
[1] ضد دوهرنك 2: 5