1- تمهيد
حين نتناول الماركسية على الصعيد الاقتصادي لا يمكننا أن نفصل بين وجهها المذهبي المتمثّل في الاشتراكية والشيوعية الماركسية، ووجهها العلمي المتمثّل في المادية التأريخية أو المفهوم المادي للتأريخ، الذي زعمت الماركسية أ نّها حدّدت فيه القوانين العلمية العامة المسيطرة على التأريخ البشري، واكتشفت في تلك القوانين النظام المحتوم لكلّ مرحلة تأريخية من حياة الإنسان وحقائقها الاقتصادية المتطوّرة على مرّ الزمن.
وهذا الترابط الوثيق بين المذهب الماركسي والمادية التأريخية سوف ينكشف خلال البحوث الآتية أكثر فأكثر؛ إذ يبدو في ضوئها بكلّ وضوح أنّ الماركسية المذهبية ليست في الحقيقة إلّامرحلة تأريخية معيّنة، وتعبيراً محدوداً نسبياً عن المفهوم المادّي المطلق للتأريخ، فلا يمكن أن نصدر حكماً في حقّ الماركسية المذهبية- بصفتها مذهباً له اتجاهاته وخطوطه الخاصّة- إلّاإذا استوعبنا الاسس الفكرية التي ترتكز عليها، وحدّدنا موقفنا من المادية التأريخية بوصفها القاعدة المباشرة للمذهب، والهيكل المنظّم لقوانين الاقتصاد والتأريخ، التي تملي- في زعم الماركسية- على المجتمع مذهبه الاقتصادي، وتصنع له نظامه في الحياة طبقاً لمرحلته التأريخية وشروطه المادية الخاصّة.