بالبلاد الإسلامية المتخلّفة إلى مستوى الشعوب الاوروبية الحديثة.
وقد عبّرت التبعيّة في العالم الإسلامي لتجربة الإنسان الاوروبي الرائد للحضارة الحديثة عن نفسها بأشكال ثلاثة مترتّبة زمنياً، ولا تزال هذه الأشكال الثلاثة متعاصرة في أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي.
الأوّل: التبعية السياسية التي تمثّلت في ممارسة الشعوب الاوروبية الراقية اقتصادياً حكم الشعوب المتخلّفة بصورة مباشرة.
الثاني: التبعية الاقتصادية التي رافقت قيام كيانات حكوميه مستقلّة من الناحية السياسية في البلاد المتخلّفة، وعبّرت عن نفسها في فسح المجال للاقتصاد الاوروبي لكي يلعب على مسرح تلك البلاد بأشكال مختلفة ويستثمر موادها الأولية ويملأ فراغاتها برؤوس أموال أجنبية ويحتكر عدداً من مرافق الحياة الاقتصادية فيها بحجّة تمرين أبناء البلاد المتخلّفين على تحمّل أعباء التطوير الاقتصادي لبلادهم.
الثالث: التبعية في المنهج التي مارستها تجارب عديدة في داخل العالم الإسلامي حاولت أن تستقلّ سياسياً وتتخلّص من سيطرة الاقتصاد الاوروبي اقتصادياً وأخذت تفكّر في الاعتماد على قدرتها الذاتية في تطوير اقتصادها والتغلّب على تخلّفها، غير أ نّها لم تستطع أن تخرج في فهمها لطبيعة المشكلة التي يجسّدها تخلّفها الاقتصادي عن إطار الفهم الاوروبي لها، فوجدت نفسها مدعوّة لاختيار نفس المنهج الذي سلكه الإنسان الاوروبي في بنائه الشامخ لاقتصاده الحديث.
وبالرغم من اختلافات نظرية كبيرة نشأت بين تلك التجارب خلال رسم المنهج وتطبيقه فإنّ هذه الاختلافات لم تكن دائماً إلّااختلافاً حول اختيار الشكل العام للمنهج من بين الأشكال المتعدّدة التي اتخذها المنهج في تجربة