«التعداد البسيط».
ومن الواضح أنّ طريقة التعداد البسيط هذه لا تبرهن علمياً على أنّ المصلحة الاقتصادية الطبقية هي السبب الأساسي الوحيد لظهور الدولة؛ إذ من الجائز أن يكون للعوامل الاخرى أثرها الخاص في تكوين الدولة، وحيث إنّ الباحث لا يستطيع أن يغيّر الواقع التأريخي- كما يغيّر الفيزيائي الظواهر الطبيعية بتجاربه- فهو لا يتمكّن من إفراز وعزل سائر العوامل الاخرى عن واقع المجتمع ليدرس نتيجة هذا العزل، ويتبيّن ما إذا كانت الدولة- كظاهرة اجتماعية- ستزول بعزل تلك العوامل، أو لا.
ويستخلص ممّا سبق: أنّ البحث التأريخي يختلف عادة عن البحوث العلمية الطبيعية من ناحية المادة التي يقوم على أساسها الاستنتاج أوّلًا، ومن ناحية الدليل الذي يدعم ذلك الاستنتاج ثانياً.
وإذا استبعدنا الدليل التجريبي الدقيق عن نطاق البحث التأريخي لم يبقَ لدى مفسّري التأريخ إلّاالملاحظة المنظّمة التي تحاول أن تستوعب أكبر مقدار ممكن من أحداث التأريخ وظواهره، حيث يأخذها الباحث التأريخي كما هي ويحاول أن يفسّرها ويضع لها مفاهيمها العامة على طريقة التعداد البسيط.
وعلى هذا الأساس نعرف أنّ الماركسية لم تكن تملك- حين وضعت مفهومها الخاصّ عن التأريخ- سنداً علمياً لها سوى الملاحظة التي رأتها الماركسية كافية للتدليل على وجهة نظرها المعيّنة إلى التأريخ، وأكثر من هذا أ نّها زعمت أنّ الملاحظة المحدودة في نطاق تأريخي ضيّق تكفي وحدها لاستكشاف قوانين التأريخ كلّها، واليقين العلمي بها. فقد قال أنجلز:
«ولكن فيما كان البحث عن هذه الأسباب المحرّكة في التأريخ مستحيلًا تقريباً في سائر المراحل السابقة