للدين من بين سائر صفات اللَّه تعالى- من علمٍ وقدرةٍ وسمعٍ وبصرٍ وغير ذلك- إلّا لِمَا لهذا الأصل من مدلولٍ اجتماعيّ وارتباطٍ عميقٍ بمغزى الثورة التي يمارسها الأنبياء على صعيد الواقع، فالتوحيد يعني اجتماعياً: أنّ المالك هو اللَّه دون غيره من الآلهة المزيّفة، والعدل يعني: أنّ هذا المالك الوحيد بحكم عدله لا يؤثِر فرداً على فرد، ولا يمنح حقّاً لفئةٍ على حساب فئة، بل يستخلف الجماعة الصالحة ككلٍّ على ما وفّر من نعمٍ وثروات.
أهداف الخلافة
والإسلام إذ يضع مبدأ الخلافة ويستخلف الجماعة البشرية على الأرض يضع للخلافة أهدافها الصالحة، وبهذا يحدث انقلاباً عظيماً في تصوّر الأهداف وتقويمها يؤدّي بالمقابل إلى انقلابٍ عظيمٍ في الوسائل والأساليب.
ولكي يحدث الإسلام هذا الانقلاب العظيم في تقويم الحياة وتحديد أهدافها كان لا بدّ أن يعطي تصوّراً لها يلائم ما يريد طرحه من أهداف، ويهيّئ الجوَّ النفسي في مجتمع الخلافة الصالحة لتبنّي تلك الأهداف ووضعها موضع التنفيذ.
ولكن ما هو التغيير الذي يريد الإسلام تحقيقه في مجال تلك الأهداف؟
إنّ المجتمعات الجاهلية لا تنظر إلى الحياة إلّامن خلال شوطها القصير الذي ينتهي بالموت، ولا تدرك لذّاتها ومتعها إلّامن خلال إشباع ما لدى الإنسان من غرائز وشهوات، وهي على هذا الأساس تجد في المال- بوصفه مالًا- وفي تجميعه وادّخاره والتنافس فيه الهدف الطبيعي الذي يضمن للإنسان القدرة على امتصاص أكبر قدرٍ ممكنٍ من الحياة وتحديدها نوعياً وكمياً، أي على الخلود النسبي بقدر ما تسمح به إمكانات الحياة المادية على الأرض.