فالمسلم حينما يقاوم الظلم في قريته أو في بلده أو في بني قومه مثلًا، لا يعزل هذا الظلم عن أيّ ظلمٍ آخر يمارسه الجبّارون على الأرض، ولا يجعل إزالة هذا الظلم خاصّةً هدفاً نهائياً ومطلقاً له؛ لأنّ في ذلك إقراراً ضمنياً بما يمارس من ظلمٍ في أرجاء العالم، وإنّما يقاوم الظلم الذي يواجهه في محيطه بوصفه ظلماً من الإنسان لأخيه الإنسان. وبذلك وحده يكون قادراً على إعادة دور عبادة بن الصامت الذي انطلق مع إخوانه من جزيرة العرب لكي يحرِّروا الفلاحين المظلومين في أقصى بلاد فارس.
ب- أخلاقية التركيب العقائدي للدولة وتحرير الإنسان من الانشداد إلى الدنيا:
إنّ إقامة الحقّ والعدل وتحمّل مشاق البناء الصالح بحاجةٍ إلى دوافعَ تنبع من الشعور بالمسؤولية والإحساس بالواجب، وهذه الدوافع تواجه دائماً عقبةً تحول دون تكوّنها أو نموّها.
وهذه العقبة هي الانشداد إلى الدنيا وزينتها والتعلّق بالحياة على هذه الأرض مهما كان شكلها، فإنّ هذا الانشداد والتعلّق يجمِّد الإنسان في كثيرٍ من الأحيان ويوقف مساهمته في عملية البناء الصالح؛ لأنّ المساهمة في كلّ بناءٍ كبيرٍ تعني كثيراً من ألوان الجهد والعطاء، وأشكالًا من التضحية والأذى في سبيل الواجب، وتحمّلًا شجاعاً للحرمان من أجل سعادة الجماعة البشرية ورخائها.
وليس بإمكان الإنسان المشدود إلى زخارف الدنيا والمتعلِّق بأهداف الحياة الأرضية أن يتنازل عن هذه الطيّبات الرخيصة ويخرج عن نطاق همومه اليومية الصغيرة إلى هموم البناء الكبيرة، فلا بدّ لكي تجنّد طاقات كلّ فردٍ للبناء