هذه الامّة لكي يصنع التأريخ من جديدٍ- لم تنطفئ الشعلة في نفسه طيلة المدّة التي كان اللَّه تعالى هدفه الحقيقي فيها، بل كان يستمدّ من العدل المطلق الذي يمثّله هذا الهدف العظيم وقود معركته التي لا تنتهي وتحرّكه الذي لا يخمد ضدّ ظلم الظالمين وجبروت الطغاة، لا في قريته فحسب، ولا في جزيرته خاصّةً ولا بين أفراد قومه فقط، بل في كلّ أرجاء الدنيا.
وقد اهتزّ كسرى بجبروته حينما سأل عبادة بن الصامت مستهزئاً عمّا دعا المسلمين إلى التفكير في غزو إمبراطوريته، فردَّ عليه بأنّ الجيش الإسلامي جاء لتحرير المظلومين[1].
وهذا يعني أنّ العدل المطلق لا ينفد وأنّ الهدف المطلق يظلّ دائماً قادراً على التحريك والعطاء: «قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً»[2].
فالتركيب العقائدي للدولة الإسلامية- الذي يقوم على أساس الإيمان باللَّه وصفاته ويجعل من اللَّه هدفاً للمسيرة وغايةً للتحرّك الحضاري الصالح على الأرض- هو التركيب العقائدي الوحيد الذي يمدّ الحركة الحضارية للإنسان بوقودٍ لا ينفد.
ومن أجل ذلك شجب الإسلام أيَّ اتّجاهٍ إلى تحويل الأهداف النسبية والمرحلية إلى هدفٍ مطلق؛ لأنّ ذلك يعيق الحركة عن الاستمرار وتجاوز الهدف النسبي في مرحلةٍ تالية.
[1] راجع الكامل في التأريخ 2: 463، والبداية والنهاية 7: 46، وفيها القائل هو ربعي بن عامر، وليس عبادة بن الصامت
[2] الكهف: 109