ومثال آخر: مفهومه عن دور التاجر ومبرّرات الربح التجاري في الحياة الاقتصادية، فقد تحدّث إلى واليه على مصر مالك الأشتر عن التجّار وذوي الصناعات في سياقٍ واحد، وأكّد على أ نّه لا قوام للحياة الاقتصادية «إلّابالتجّار وذوي الصناعات في ما يجتمعون عليه من مرافقهم، ويقيمونه من أسواقهم، ويكفونهم من الترفّق بأيديهم ما لا يبلغه رفق غيرهم»[1]. وقال في موضعٍ آخر عنهم: «فإنّهم موادّ المنافع … وجلّابها من المباعد والمطارح في برِّك وبحرك وسهلك وجبلك، وحيث لا يلتئم الناس لمواضعها ولا يجترئون عليها»[2]. وهذا يعني أنّ الإمام كان يجد في التاجر منتجاً كالصانع ويربط بين شرعية ربحه من الناحية الاقتصادية وما يقوم به من جهدٍ في توفير البضاعة وجلبها والحفاظ عليها، وهو مفهوم يختلف كلّ الاختلاف عن المفهوم الرأسمالي للتجارة.
د- اتّجاه العناصر المتحرّكة على يد النبيّ أو الوصيّ
وهذا المؤشّر يعني أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله و سلم والأئمّة عليهم السلام لهم شخصيّتان: الاولى بوصفهم مبلّغين للعناصر الثابتة عن اللَّه تعالى، والاخرى بوصفهم حكّاماً وقادةً للمجتمع الإسلامي يضعون العناصر المتحرّكة التي يستوحونها من المؤشّرات العامّة للإسلام والروح الاجتماعية والإنسانية للشريعة المقدسة، وعلى هذا الأساس كان النبي صلى الله عليه و آله و سلم والأئمّة عليهم السلام يمارسون وضع العناصر المتحرّكة في مختلف شؤون الحياة الاقتصادية وغيرها، وهذه العناصر- بحكم صدورها عن صاحب الرسالة أو ورثته المعصومين- تحمل بدون شكّ الروح العامة للاقتصاد
[1] نهج البلاغة: 432، الكتاب 53
[2] نهج البلاغة: 438، الكتاب 53