الظاهرة لم تتّفق فقط في أوصياء النبيّ محمدٍ صلى الله عليه و آله، بل اتّفقت في أوصياء عددٍ كبيرٍ من الرسل، قال اللَّه سبحانه وتعالى: «وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَ إِبْراهِيمَ وَ جَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَ الْكِتابَ»[1]، «وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ»[2].
فاختيار الوصيِّ كان يتمّ عادةً من بين الأفراد الذين انحدروا من صاحب الرسالة ولم يروا النور إلّافي كنفه وفي إطار تربيته، وليس هذا من أجل القرابة بوصفها علاقةً ماديةً تشكّل أساساً للتوارث، بل من أجل القرابة بوصفها تشكّل عادةً الإطار السليم لتربية الوصيّ وإعداده للقيام بدوره الربّاني. وأمّا إذا لم تحقِّق القرابة هذا الإطار فلا أثر لها في حساب السماء، قال اللَّه تعالى: «وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ»[3].
المرجعية بوصفها المرحلة الثالثة من خطّ الشهادة:
وقد قُدِّر للإمامة بعد وفاة الرسول الأعظم صلى الله عليه و آله أن تُحرَم من الممارسة الفعلية لخلافة اللَّه في الأرض ومواصلة القيادة السياسية والاجتماعية للتجربة التي خلّفها النبيّ صلى الله عليه و آله، وتولّى هذه الخلافة عملياً عدد من الصحابة على التعاقب وفقاً لأشكالٍ مختلفةٍ من الاختيار.
وحاولت الامّة بقيادة هؤلاء الصحابة أن يواصلوا قيادة التجربة مع
[1] الحديد: 26
[2] الأنعام: 84
[3] البقرة: 124