الخلافة العامّة للجماعة البشرية؛ لأنّ هذه الخلافة أمانة، كما تقدم، ومن خان الأمانة لم يَعُد أميناً.
وأمّا المستضعفون فمن يواكب منهم الظلم ويسير في اتّجاهه ويخضع للاستغلال يعتبر في المفهوم القرآني ظالماً لنفسه وبالتالي خائناً لأمانته، فلا يكون جديراً بالخلافة.
ويظلّ في موقعه من الخلافة اولئك المستضعفون الذين لم يظلموا أنفسهم ولم يستسلموا للظلم، فهؤلاء هم الورثة الشرعيّون للجماعة البشرية في خلافتها، كما قال اللَّه سبحانه وتعالى: «وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ»[1].
ولكنّ المجتمع قد غرق في هذه اللحظة في ألوان الاستغلال، وسيطرت عليه علاقات اجتماعية تجسّد هذه الألوان، ومشاعر نفسية تبرّر الانحراف عن الفطرة، وأساطير فكرية ووثنية تمزّق المجتمع شيعاً وأحزاباً، ولم يبقَ مستضعَف غير ظالمٍ لنفسه إلّاعدد قليل مغلوب على أمره.
الثورة على يد الأنبياء لإعادة مجتمع التوحيد:
وكان لا بدّ في هذه الظروف من ثورةٍ تُعيد المسيرة إلى طريقها الصالح، وتبني المجتمع الموحّد من جديدٍ على أساسٍ أعمق وأوعى من أساس الفطرة، وتهيّئ الجماعة لاستئناف دورها الربّاني في خلافة اللَّه على الأرض.
وكانت الثورة بحاجةٍ إلى أساسٍ ترتكز عليه وتنطلق عنه وتستمدّ دوافعها وحيويّتها منه.
[1] القصص: 5