وقد شهد التأريخ البشري منذ أقدم عصور الاستغلال أساسين مختلفين للثورة:
الأساس الأول: ما تزخر به قلوب المستضعَفين والمضطَهَدين من المشاعر الشخصية المتّقدة بسبب ظلم الآخرين واستهتارهم بحقوق الجماعة ومصالحها.
وهذا الشعور يتكوّن ويمتدّ في المستضعَفين تدريجاً كلّما ازدادت حالتهم سوءاً وازداد المستغِلّون لهم عُتُوّاً واستهتاراً بهم. ولكي يتحوّل هذا الشعور إلى ثورةٍ لابدّ له من بؤرةٍ تستقطبه، وتنبثق عن هذه البؤرة التي تستقطب هذا الشعور القيادة التي تتزعّم المستضعَفين في كفاحهم ضدّ المستغلِّين والثورة عليهم.
وإذا لاحظنا هذا الأساس بعمقٍ نجد أ نّه يتعامل مع نفس المشاعر الشخصية والمادّية التي خلقتها ظروف الاستغلال، فالاستغلال يكرِّس في جميع أفراد المجتمع الشعور الشخصي بالمصلحة وينمِّي فيهم الاهتمام الذاتي بالتملّك والسيطرة، غير أنّ هذا الشعور وهذا الاهتمام ينعكس إيجابياً في المستغلِّين على صورة الاستيلاء المحموم على كلّ ما تمتدّ إليه أيديهم، وتسخير كلِّ الإمكانات من أجل إشباع هذه المطامع، وينعكس الشعور والاهتمام نفسه سلبياً في المستضعفين على صورة المقاومة الصامتة أولًا والمتحرّكة ثانياً والثائرة ثالثاً على المستغلِّين، وهي مقاومة تحمل نفس الخلفيّة النفسية التي يحملها المستغِلّون وتنطلق من نفس المشاعر والأحاسيس التي خلقتها ظروف الاستغلال.
وهذا يؤدّي في الحقيقة إلى أنّ الثورة لن تكون ثورةً على الاستغلال وعلى جذوره، ولن تعيد الجماعة إلى مسيرتها الرشيدة ودورها الخلافيّ الصالح، وإنّما هي ثورة على تجسيدٍ معيَّنٍ للاستغلال من قبل المتضرِّرين من ذلك