التجسيد. ومن هنا كانت تغييراً لمواقع الاستغلال أكثر من كونها استئصالًا للاستغلال نفسه.
الأساس الثاني: استئصال المشاعر التي خلقتها ظروف الاستغلال واعتماد مشاعر اخرى أساساً للثورة.
وبكلمةٍ اخرى: تطوير تلك المشاعر على نحوٍ تمثِّل الإحساس بالقيم الموضوعية للعدل والحقّ والقسط والإيمان بعبودية الإنسان للَّه- التي تحرِّره من كلّ عبودية- وبالكرامة الإنسانية.
وهذه المشاعر تخلق القاعدة التي تتبنّى تصفية الاستغلال- لا لأنّه يمسّ مصالحها الشخصية فحسب، بل لأنّه أيضاً يمسّ المصالح الحقيقية للظالمين والمظلومين على السواء- وتنتزع وسائل السيطرة من المستغِلِّين؛ لا طمعاً فيها وحرصاً على احتكارها، بل إيماناً بأ نّها من حقّ الجماعة كلّها، وتلغي العلاقات الاجتماعية التي نشأت على أساس الاستغلال؛ لا لتنشئ علاقاتٍ مماثلة لفئةٍ اخرى من المجتمع، بل لتعيد إلى الجماعة البشرية الشروط الضرورية لممارسة الخلافة العامّة على الأرض وتحقيق أهدافها الرشيدة.
وواضح من خلال المقارنة أنّ الأساس الثاني وحده هو الذي يشكِّل الخلفيّة الحقيقية للثورة، والرصيد الروحي القادر على جعلها ثورةً بدلًا عن تجميدها في منتصف الطريق، بينما الأساس الأول لا يمكن أن ينجز سوى ثورةٍ نسبيةٍ تتغيّر فيها مواقع الاستغلال.
غير أنّ مجرّد ذلك لا يكفي وحده لاختيار الأساس الثاني واعتماد المستضعَفين له في كفاحهم؛ ذلك لأنّ الأساس الثاني يتوقّف على تربية للمحتوى الداخلي للثائرين أنفسهم وإعدادٍ روحيّ ونفسيّ- من خلال التعبئة والممارسة الثوريّتين- يطهِّرهم من مشاعر الاستغلال ويستأصل من نفوسهم الحرص