غير أنّ القومية ليست إلّارابطةً تأريخيةً ولغويةً، وليست فلسفةً ذات مبادئ ولا عقيدةً ذات اسُس، بل حيادية بطبيعتها تجاه الفلسفات والمذاهب الاجتماعية والعقائدية والدينية، وهي لذلك بحاجةٍ الى الأخذ بوجهة نظرٍ معيّنةٍ تجاه الكون والحياة؛ وفلسفةٍ خاصّةٍ تصوغ على أساسها معالم حضارتها ونهضتها وتنظيمها الاجتماعي.
وهنا يبرز فارق كبير بين مناهج الإنسان الاوروبّي والغربي التي ترتبط في ذهن الامّة بإنسان القارّتين المستعمِرتين مهما وضعت لها من إطاراتٍ وألوانٍ ظاهريةٍ، وبين المنهج الإسلامي الذي يتمتّع بنظافةٍ مطلقةٍ من هذه الناحية؛ لأنّه لا يرتبط في ذهن الامّة بتأريخ أعدائها، بل بتأريخ أمجادها الذاتية، ويعبِّر عن أصالتها ولا يحمل بصمات أصابع المستعمِرين، فإنّ شعور الامّة بهذه النظافة في الإسلام، وبأنّ الإسلام هو تعبيرها الذاتي، وعنوان شخصيتها التأريخية، ومفتاح أمجادها السابقة، والحقيقة التي بذل المستعمِرون كلّ وسائلهم في سبيل تشويهها.
إنّ شعور الامّة بكلِّ ذلك يعتبر عاملًا ضخماً جدّاً لانفتاحها على عملية البناء الحضاري التي تقوم على أساس الإسلام وثقتها بهذا البناء، وبالتالي تحقيق المزيد من المكاسب في المعركة ضدّ التخلّف.
أضف إلى هذا أنّ عملية البناء لن تبدأ من الصفر؛ لأنّها ليست غريبةً على الامّة، بل لها جذور تأريخية ونفسية ومرتكزات فكرية، بينما أيّ عملية بناءٍ اخرى تنقل مناهجها بصورةٍ مصطَنَعةٍ أو مهذّبةٍ من وراء البحار لكي تطبَّق على العالم الإسلامي سوف تضطرّ إلى الابتداء من الصفر والامتداد بدون جذور.
د- امتصاص المحافظين لحركة البناء الجديد:
إنّ أيّ حركة تجديدٍ في العالَم الإسلامي تصطدم حتماً بعددٍ كبيرٍ من الأعراف والسنن الاجتماعية والتقاليد السائدة التي اكتسبت على مرّ الزمن درجة