الاحتفاظ- في بداية الأمر- للإمامة بخطّ الشهادة، فقد اعتُبر الإمام عليّ شهيداً، أي مشرفاً وميزاناً إيديولوجياً وإسلامياً للحقّ والباطل، حتّى قال عمر مرّاتٍ عديدةً: «لولا عليّ لَهلَك عمر»[1]، وقال للإمام: «أعوذ باللَّه أن أعيش في قومٍ لستَ فيهم يا أبا الحسن»[2]، وقال: «كاد يهلك ابن الخطّاب لولا عليّ»[3]، وقال: «اللهمّ لا تُبقِني لمعضلةٍ ليس فيها أبو الحسن»[4].
ولكن سرعان ما انتُزِع هذا الدور أيضاً من الإمام، وجَرَّدت السلطةُ الإمامَ عليّاً من كلا الخطّين، وتراكمت من خلال التطبيق الأخطاء، وفَسَحت خلافة عثمان للعناصر المستغلّة أن تظهر على المسرح من جديدٍ، وأخذت الرواسب التي كانت في طريق الاستئصال تبرز شيئاً بعد شيء، واستيقظت مطامع المستغلّين الذين حاربوا الإسلام بالأمس، وأدّى ذلك بالتدريج إلى استيلاء أعداء الإسلام القدامى على الحكم بعد عصر الخلفاء، إذ أعلن معاوية عن نفسه خليفةً للمسلمين بقوّة الحديد والنار، وكان ذلك أعظم مأساةٍ في تأريخ الإسلام.
ولم يترك الأئمّة- على الرغم من إبعادهم عن مركزهم الطبيعي في الزعامة الإسلامية- مسؤوليّاتهم القيادية، وظلّوا باستمرارٍ التجسيدَ الحيَّ الثوريَّ للإسلام والقوةَ الرافضةَ لكلّ ألوان الانحراف والاستغلال، وقد كلَّف الأئمّة ذلك حياتهم الواحد بعد الآخر واستُشهِد الأئمّة الأحد عشر من أهل البيت بين مجاهدٍ يخر
[1] الفصول المهمّة: 34، والرياض النضرة 3: 162
[2] ذخائر العقبى: 82، ومنتخب كنز العمّال هامش مسند أحمد 2: 352، وتأريخ دمشق لابن عساكر 42: 407
[3] كفاية الطالب: 219، والغدير 6: 106
[4] تذكرة الخواصّ: 137، والرياض النضرة 3: 161، مع اختلاف في التعبير