مسار التطوّر البشري وفقاً لقوانين الديالكتيك، وهي أنّ الهدف اللاواعي الذي تفترضه الماركسية لحركة التأريخ ومسيرة الإنسان هو إزالة العوائق الاجتماعية عن نموِّ القُوى المنتجة ووسائل الإنتاج، وذلك بالقضاء على الملكية الخاصّة وإقامة المجتمع الشيوعي. فإذا كان هذا هو هدف المسيرة فهذا يعني أ نّها ستتوقّف وأنّ التطوّر سيتجمّد في اللحظة التي يقوم فيها المجتمع الشيوعي.
إنّ تحرير وسيلة الإنتاج من علاقات التوزيع المعيقة إذا كان هو الهدف المحرِّك للتأريخ، فسوف يتوقّف التأريخ عند تحريرها، وتجفّ كلّ ما في الإنسان من طاقات التطور والإبداع.
والحقيقة أنّ الهدف الوحيد الذي يضمن للتحرّك الحضاري للإنسان أن يواصل سيره وإشعاعه وجذوته باستمرارٍ هو الهدف الذي يقترب منه الإنسان باستمرار، ويكتشف فيه- كلّما اقترب منه- آفاقاً جديدةً وامتداداتٍ غير منظورةٍ تزيد الجذوة اتّقاداً والحركة نشاطاً والتطور إبداعاً.
وهنا يأتي دور الدولة الإسلامية لتضع اللَّه هدفاً للمسيرة الإنسانية، وتطرح صفات اللَّه وأخلاقه كمعالمَ لهذا الهدف الكبير، فالعدل والعلم والقدرة والقوة والرحمة والجود تشكِّل بمجموعها هدف المسيرة للجماعة البشرية الصالحة، وكلّما اقتربت خطوةً نحو هذا الهدف وحقّقت شيئاً منه انفتحت أمامها آفاق أرحب وازدادت عزيمةً وجذوةً لمواصلة الطريق؛ لأنّ الإنسان المحدود لا يمكن أن يصل إلى اللَّه المطلق ولكنّه كلّما توغّل في الطريق إليه اهتدى إلى جديدٍ وامتدّ به السبيل سعياً نحو المزيد: «وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا»[1].
ومن هنا نلاحظ أنّ إنسان الدولة الإسلامية- الذي انطلق في مطلع تأريخ
[1] العنكبوت: 69