الكبير من تركيبٍ عقائديٍّ له أخلاقية خاصّة تربّي الفرد على أن يكون سيّداً للدنيا لا عبداً لها، ومالكاً للطيّبات لا مملوكاً لها، ومتطلِّعاً إلى حياةٍ أوسع وأغنى من حياة الأرض، ومؤمناً بأنّ التضحية بأيِّ شيءٍ على الأرض هي تحضير بالنسبة إلى تلك الحياة التي أعدّها اللَّه للمتّقين من عباده.
وهذا هو التركيب العقائدي الذي تملكه الدولة الإسلامية ممثَّلًا في تعاليم القرآن الكريم والإسلام التي تحدِّد المعالم العامة لأخلاقيته: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ»[1]، «وَ اعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَ أَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»[2]*. وقال الرسول الأعظم: «من أصبح والدنيا أكبر همّه فليس من اللَّه في شيء»[3]. وقال: «حبّ الدنيا رأس كلِّ خطيئة»[4].
فالتعلّق بالدنيا والانشداد إليها أساس كلّ انحرافٍ، وحمل همومها يعتبر تخلّياً عن دور الخلافة الرشيدة على الأرض، والانغماس في طيّباتها ولهوها يعني تناسي ذكر اللَّه والالتهاء عن كلّ ما يمثّله هذا الإله الواحد العظيم من قيمٍ توجِّه المسيرة وتحدِّد الهدف وتشدّ الإنسان إلى السماء.
ومن أجل أن ينتزع الإسلام من الفرد المسلم هذا التعلق الشديد بالدنيا وهمومها أعطى للدنيا حجمها الطبيعي، فالدنيا حينما تتّخذ كهدفٍ تتعارض مع الآخرة- أي مع عملية البناء العظيمة التي تدعو إليها الآخرة وتحث عليها- تتحوّل
[1] المنافقون: 9
[2] الأنفال: 28
[3] المستدرك للحاكم 4: 317، كتاب الرقاق
[4] مستدرك الوسائل 12: 45، الباب 62 من أبواب جهاد النفس، الحديث 14