الإنسان من ثروات الكون وطاقاته ونعمه الموفورة، أشار الى لونين من الانحراف: أحدهما الظلم، والآخر كفران النعمة. والظلم يعني سوء التوزيع وعدم توفير هذه النعم لأفراد الجماعة على السواء، وهو ظلم بعض أفراد الجماعة للبعض الآخر. وكفران النعمة يعني تقصير الجماعة في استثمار ما حباها اللَّه به من طاقات الكون وخيراته المتنوّعة، أي التوقّف عن الإبداع الذي هو في نفس الوقت توقّف في السير نحو المطلق، نحو اللَّه تعالى، وهذا ظلم الجماعة لنفسها.
وهذه الإشارة تحدِّد في الوقت نفسه مسؤولية الجماعة بين يدي المستخلف سبحانه وتعالى في أمرين:
أحدهما: العدل في توزيع الثروة، أي أن لا يقع تصرّف في الثروة التي استُخلِفت عليها الجماعة تصرّفاً يتعارض مع خلافتها العامة وحقّها ككلٍّ في ما خلق اللَّه.
والآخر: العدل في رعاية الثروة وتنميتها، وذلك ببذل الجماعة طاقاتها في استثمار الكون وإعمار الأرض وتوفير النعم.
المرحلة الثانية من الاستخلاف: هي استخلاف الأفراد الذي يتّخذ من الناحية الفقهية والقانونية شكلَ الملكية الخاصّة، والاستخلاف هنا من الجماعة للفرد، ولهذا أضافت الآية الكريمة أموال الأفراد إلى الجماعة في النصّ القرآني الآنف الذكر، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن تقرَّ أيّ ملكيةٍ خاصّةٍ تتعارض مع خلافة الجماعة وحقّها- ككلٍّ- في الثروة.
وما دامت الملكية الخاصّة استخلافاً للفرد من قبل الجماعة فمن الطبيعي أن يكون الفرد مسؤولًا أمام الجماعة عن تصرّفاته في ماله وانسجامها مع مسؤولياتها أمام اللَّه تعالى ومتطلبات خلافتها العامة، ومن الطبيعي أن يكون من حقّ الممثِّل الشرعي للجماعة أن ينتزع من الفرد ملكيته الخاصّة إذا جعل منها أداة