وأمّا إذا حوّل النقد إلى أداة اكتنازٍ وأصبح زارع الحنطة يبيع الحنطة بنقدٍ ويدّخر النقد ولا يشتري به قطناً، فإنّ هذا يعني أنّ القطن أو بتعبيرٍ أعمّ أنّ جزءاً من المنتوج الكلّي للمجتمع سوف يظلّ عاجزاً عن دخول السوق وإكمال دورته بالتحوّل إلى نقدٍ لكي يستأنف الإنتاج من جديد. وبالمقابل يخلق الاكتناز للمكتنِز قدراتٍ جديدةً للاستثمار وغزو السوق لم يكن بالإمكان أن تتواجد لو استمرّ تطبيق روح المقايضة بصورةٍ أمينة.
ج- إنّ مبدأ الزكاة في الإسلام يحتوي على فرض ضريبةٍ على اكتناز النقد؛ لأ نّه يفرض نسبةً معيّنةً على المال المدّخر سنةً من النقود الذهبية أو الفضّية، وإذا لاحظنا ما ذكرناه سابقاً من أنّ تحديد السنة قد يرتبط بشروط الحياة الاقتصادية المعاصرة للتشريع، ولاحظنا ما أوضحناه في بحوثنا عن الاقتصاد الإسلامي من أنّ الزكاة كمبدأ قابل للتوسعة والتطبيق على مختلف الثروات وفقاً لما يراه وليّ الأمر الشرعي، أمكننا أن ننتهي إلى فكرةٍ إسلامية في جذرها وروحها العامّة، وهي أنّ الاكتناز يمكن مقاومته عن طريق وضع ضريبةٍ على النقد المكتنَز، وتدخل هذه الفكرة في المؤشّرات الإسلامية العامة التي تُملأ على أساسها منطقة الفراغ، ويضع وليّ الأمر العناصر المتحرّكة في الاقتصاد الإسلامي في حدود صلاحياته، وعلى هذا الأساس يمكن لوليّ الأمر أن يضع وفقاً لصلاحيته الضريبة المذكورة.
وليس من الضروري أن تتّخذ هذه الضريبة شكل الجباية، بل بالإمكان استحصالها بأشكالٍ اخرى أحدث، كالطريقة التي تستحصل بها كثير من الضرائب أو الاجور الحكومية عن طريق الإلزام بإلصاق طابعٍ ماليّ على العريضة أو الوثيقة ونحو ذلك، فيمكن استعمال نفس الطريقة بالنسبة الى ضريبة الاكتناز.